﴿ وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
فإذا تبين أنه ليس في آلهتهم التي يعبدون مع الله أوصافا معنوية، ولا أوصافا فعلية، تقتضي أن تعبد مع الله، بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان إلهيتها، فلأي شيء جعلت مع الله آلهة؟فالجواب: أن هذا من تزيين الشيطان للإنسان، أقبح البهتان، وأضل الضلال، حتى اعتقد ذلك وألفه، وظنه حقًا، وهو لا شيء.ولهذا قال: وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء أي: ما يتبعون في الحقيقة شركاء لله، فإنه ليس لله شريك أصلا عقلًا ولا نقلاً، وإنما يتبعون الظن وإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا فسموها آلهة، وعبدوها مع الله، إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ .إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ وسيجازيهم على ذلك بالعقوبة البليغة.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ... توبيخ آخر لهم على انقيادهم للأوهام والظنون، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم من إساءات.أى: إن هؤلاء الذين أعرضوا عن دعوتك يا محمد، لا يتبعون في عقائدهم وعبادتهم لغير خالقهم سوى الظنون والأوهام التي ورثها الأبناء عن الآباء.وخص أكثرهم بالذكر، لأن هناك قلة منهم يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم لا يتبعونه عنادا وجحودا وحسدا، كما قال- تعالى- فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ .ويجوز أن يكون- سبحانه- خص أكثرهم بالذكر، للإشارة إلى أن هناك قلة منهم تعرف الحق، وستتبعه في الوقت الذي يريده الله- تعالى.والتنكير في قوله ظَنًّا للتنويع. أى لا يتبع أكثرهم إلا نوعا من الظن الواهي الذي لا يستند إلى دليل أو برهان.وقوله: إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً استئناف مسوق لبيان شأن الظن وبطلانه.والمراد بالظن هنا: ما يخالف العلم واليقين، والمراد بالحق: العلم والاعتقاد الصحيح المطابق للواقع.أى: إن الظن الفاسد المبنى على الأوهام لا يغنى صاحبه شيئا من الإغناء، عن الحق الثابت الذي لا ريب في ثبوته وصحته.وقوله شَيْئاً مفعول مطلق أى: لا يغنى شيئا من الإغناء، ويجوز أن يكون مفعولا به على جعل يغنى بمعنى يدفع.وقوله: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ تذييل قصد به التهديد والوعيد.أى: إن الله- تعالى- عليم بأقوالهم وأفعالهم، وسيحاسبهم عليها يوم القيامة، وسينالون ما يستحقونه من عقاب بسبب أقوالهم الباطلة. وأفعالهم الفاسدة.قال صاحب المنار ما ملخصه: «استدل العلماء بهذه الآية على أن العلم اليقيني واجب في الاعتقاديات، ويدخل في الاعتقاديات الإيمان بأركان الإسلام وغيرها من الفرائض والواجبات القطعية، والإيمان بتحريم المحظورات القطعية كذلك ...أما ما دون العلم اليقيني مما لا يفيد إلا الظن فلا يؤخذ به في الاعتقاد وهو متروك للاجتهاد في الأعمال، كاجتهاد الأفراد في الأعمال الشخصية، واجتهاد أولى الأمر في الإدارة والسياسة، مع التقيد بالشورى وتحرى العدل..» .وبعد أن ساقت السورة الكريمة ألوانا من البراهين الدالة على وحدانية الله- تعالى-، وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عند الله تعالى، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن القرآن الكريم، فتحدت أعداءه أن يأتوا بسورة مثله، ووصفتهم بالجهالة وسفاهة الرأى، وصورت أحوالهم ومواقفهم من دعوة الحق تصويرا بليغا. استمع إلى السورة الكريمة وهي تتحدث عن كل ذلك فتقول:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( ( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا ) منهم ، يقولون : إن الأصنام آلهة ، وإنها تشفع لهم في الآخرة ظنا منهم ، لم يرد به كتاب ولا رسول ، وأراد بالأكثر : جميع من يقول ذلك ، ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) أي : لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئا . وقيل : لا يقوم مقام العلم ، ( إن الله عليم بما يفعلون )