﴿ إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذا تزهيد منه لعباده في الحياة الدنيا بإخبارهم عن حقيقة أمرها، بأنها لعب ولهو، لعب في الأبدان ولهو في القلوب، فلا يزال العبد لاهيا في ماله، وأولاده، وزينته، ولذاته من النساء، والمآكل والمشارب، والمساكن والمجالس، والمناظر والرياسات، لاعبا في كل عمل لا فائدة فيه، بل هو دائر بين البطالة والغفلة والمعاصي، حتى تستكمل دنياه، ويحضره أجله، فإذا هذه الأمور قد ولت وفارقت، ولم يحصل العبد منها على طائل، بل قد تبين له خسرانه وحرمانه، وحضر عذابه، فهذا موجب للعاقل الزهد فيها، وعدم الرغبة فيها، والاهتمام بشأنها، وإنما الذي ينبغي أن يهتم به ما ذكره بقوله: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا بأن تؤمنوا بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتقوموا بتقواه التي هي من لوازم الإيمان ومقتضياته، وهي العمل بمرضاته على الدوام، مع ترك معاصيه، فهذا الذي ينفع العبد، وهو الذي ينبغي أن يتنافس فيه، وتبذل الهمم والأعمال في طلبه، وهو مقصود الله من عباده رحمة بهم ولطفا، ليثيبهم الثواب الجزيل، ولهذا قال: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ أي: لا يريد تعالى أن يكلفكم ما يشق عليكم، ويعنتكم من أخذ أموالكم، وبقائكم بلا مال، أو ينقصكم نقصا يضركم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- ما يدل على هوان هذه الدنيا فقال: إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ.قال الجمل: يعنى كيف تمنعكم الدنيا عن طلب الآخرة، وقد علمتم أن الدنيا كلها لعب ولهو، إلا ما كان منها في عبادة الله- تعالى- وطاعته.واللعب: ما يشغل الإنسان وليس فيه منفعة في الحال أو المآل، ثم إذا استعمله الإنسان ولم ينتبه لأشغاله المهمة فهو اللعب، وإن أشغله عن مهمات نفسه فهو اللهو .وَإِنْ تُؤْمِنُوا إيمانا حقا وَتَتَّقُوا الله- تعالى- يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ كاملة غير منقوصة، وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ أى: ولا يأمركم- سبحانه- أن تخرجوا جميع أموالكم على سبيل دفعها في الزكاة المفروضة، أو في صدقة التطوع، فالسؤال بمعنى الأمر والتكليف ويصح أن يكون المعنى: ولا يسألكم رسولكم صلّى الله عليه وسلّم شيئا من أموالكم، على سبيل الأجر له على تبليغ دعوة ربه، كما قال- تعالى-: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ.فالضمير على المعنى الأول يعود إلى الله تعالى، وعلى الثاني يعود إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم
﴿ تفسير البغوي ﴾
( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ) باطل وغرور ( وإن تؤمنوا وتتقوا ) الفواحش ، ( يؤتكم أجوركم ) جزاء أعمالكم في الآخرة ( ولا يسألكم ) ربكم ( أموالكم ) لإيتاء الأجر بل يأمركم بالإيمان والطاعة ليثيبكم عليها الجنة ، نظيره قوله : " ما أريد منهم من رزق " ( الذاريات - 57 ) ، وقيل : لا يسألكم محمد أموالكم ، نظيره : " قل ما أسألكم عليه من أجر " ( الفرقان - 57 ) .وقيل : معنى الآية : لا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلها في الصدقات ، إنما يسألانكم غيضا من فيض ، ربع العشر فطيبوا بها نفسا . وإلى هذا القول ذهب ابن عيينة ، يدل عليه سياق الآية :