﴿ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذان مثلان، ضربهما الله لأعمال الكفار في بطلانها وذهابها سدى وتحسر عامليها منها فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بربهم وكذبوا رسله أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ أي: بقاع، لا شجر فيه ولا نبت. يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً شديد العطش، الذي يتوهم ما لا يتوهم غيره، بسبب ما معه من العطش، وهذا حسبان باطل، فيقصده ليزيل ظمأه، حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا فندم ندما شديدا، وازداد ما به من الظمأ، بسبب انقطاع رجائه، كذلك أعمال الكفار، بمنزلة السراب، ترى ويظنها الجاهل الذي لا يدري الأمور، أعمالا نافعة، فيغره صورتها، ويخلبه خيالها، ويحسبها هو أيضا أعمالا نافعة لهواه، وهو أيضا محتاج إليها بل مضطر إليها، كاحتياج الظمآن للماء، حتى إذ قدم على أعماله يوم الجزاء، وجدها ضائعة، ولم يجدها شيئا، والحال إنه لم يذهب، لا له ولا عليه، بل وجد اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ لم يخف عليه من عمله نقير ولا قطمير، ولن يعدم منه قليلا ولا كثيرا، وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ فلا يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد، فإنه لا بد من إتيانه، ومثلها الله بالسراب الذي بقيعة، أي: لا شجر فيه ولا نبات، وهذا مثال لقلوبهم، لا خير فيها ولا بر، فتزكو فيها الأعمال وذلك للسبب المانع، وهو الكفر.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
أى: والذين كفروا بالحق لما جاءهم: أعمالهم الصالحة في الدنيا التي يتوقعون الخير من ورائها، تكون بالنسبة لهم يوم القيامة، كسراب كائن في صحراء واسعة، «يحسبه الظمآن ماء» .أى: يظن الشخص الذي اشتد به العطش أنه ماء.وخص- سبحانه- هذا الحسبان بالظمآن، مع أن كل من يراه يظنه ماء لأن هذا الذي اشتد به العطش أشد حرصا على طلبه من غيره، فالتشبيه به أتم وأكمل.و «حتى» في قوله- سبحانه-: حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً غاية لمحذوف، والتقدير: هذا السراب يظنه الظمآن ماء فيسرع نحوه، حتى إذا ما وصل إليه، لم يجد ما حسبه ماء وعلق عليه آماله شيئا أصلا، لا ماء ولا غيره.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد شبه ما يعمله الكافرون من أعمال البر في الدنيا، التي يظنونها نافعة لهم- شبه هذه الأعمال من حيث خيبة أملهم فيها بسراب يحسبه الظمآن ماء، فيذهب إليه ليروى عطشه، فإذا ما وصل إليه لم يجده شيئا، فيخيب أمله، وتشتد حسرته.قال الإمام الرازي: فإن قيل: قوله: «حتى إذا جاءه» يدل على كونه شيئا، وقوله:«لم يجده شيئا» مناقض له؟قلنا: الجواب عنه من وجوه ثلاثة: الأول: المراد معناه أنه لم يجد شيئا نافعا، كما يقال:فلان ما عمل شيئا وإن كان قد اجتهد الثاني: حتى إذا جاءه أى: جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئا، فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه. الثالث: الكناية للسراب، لأن السراب يرى من بعيد بسبب الكثافة كأنه ضباب وهباء، وإذا قرب منه رق وانتثر وصار كالهواء، .وقوله- سبحانه-: وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ معطوف على جملة «لم يجده» فهو داخل التشبيه أى: ووجد الظمآن حكم الله- تعالى- وقضاءه فيه عند السراب، فوفاه- سبحانه- حسابه الذي يستحقه كاملا غير منقوص.وفي هذه الجملة الكريمة من التصوير المرعب للكافر ما فيها. حيث شبهته بالظمآن الذي ذهب مسرعا ليروى ظمأه مما ظنه ماء فلما وصل إليه لم يجد ماء، وإنما وجد الله- تعالى- الذي كفر به وجحد وحدانيته- عنده، فوفاه حسابه الذي يستحقه من العذاب بدلا من وجود الماء الذي أتعب نفسه في السعى إليه.«والله» - تعالى- «سريع الحساب» ، لأنه لا يشغله حساب عن حساب ولا عمل عن عمل، بل حساب الناس جميعا عنده- عز وجل- كحساب النفس الواحدة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ) " السراب " الشعاع الذي يرى نصف النهار عند شدة الحر في البراري ، يشبه الماء الجاري على الأرض يظنه من رآه ماء ، فإذا قرب منه انفش فلم ير شيئا و " الآل " ما ارتفع من الأرض ، وهو شعاع يرى بين السماء والأرض بالغدوات شبه الملاءة يرفع فيه الشخوص يرى فيه الصغير كبيرا والقصير طويلا و " الرقراق " يكون بالعشايا ، وهو ما ترقرق من السراب ، أي جاء وذهب . و " القيعة " : جمع القاع وهو المنبسط الواسع من الأرض ، وفيه يكون السراب ، ( يحسبه الظمآن ) أي : يتوهمه العطشان ، ( ماء حتى إذا جاءه ) أي : جاء ما قد رأى أنه ماء . وقيل : جاء موضع السراب ، ( لم يجده شيئا ) على ما قدره وحسبه كذلك الكافر يحسب أن عمله نافعه فإذا أتاه ملك الموت واحتاج إلى عمله لم يجد عمله أغنى منه شيئا ولا نفعه . ( ووجد الله عنده ) أي : عند عمله ، أي : وجد الله بالمرصاد . وقيل : قدم على الله ، ( فوفاه حسابه ) أي جزاء عمله ، ( والله سريع الحساب )