﴿ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيتين 43 و44 :يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا ْ أي: لست ببدع من الرسل، فلم نرسل قبلك ملائكة بل رجالا كاملين لا نساء. نُوحِي إِلَيْهِمْ ْ من الشرائع والأحكام ما هو من فضله وإحسانه على العبيد من غير أن يأتوا بشيء من قبل أنفسهم، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ْ أي: الكتب السابقة إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ْ نبأ الأولين، وشككتم هل بعث الله رجالا؟ فاسألوا أهل العلم بذلك الذين نزلت عليهم الزبر والبينات فعلموها وفهموها، فإنهم كلهم قد تقرر عندهم أن الله ما بعث إلا رجالا يوحي إليهم من أهل القرى، وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل. فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال.وأفضل أهل الذكر أهل هذا القرآن العظيم، فإنهم أهل الذكر على الحقيقة، وأولى من غيرهم بهذا الاسم، ولهذا قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ْ أي: القرآن الذي فيه ذكر ما يحتاج إليه العباد من أمور دينهم ودنياهم الظاهرة والباطنة، لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ْ وهذا شامل لتبيين ألفاظه وتبيين معانيه، وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ْ فيه فيستخرجون من كنوزه وعلومه بحسب استعدادهم وإقبالهم عليه.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الإمام ابن كثير: عن ابن عباس- رضى الله عنهما-: لما بعث الله- تعالى- محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا، أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فأنزل الله: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ..وقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ.. .أى: وما أرسلنا من قبلك- أيها الرسول الكريم- لهداية الناس وإرشادهم إلى الحق إلا رجالا مثلك، وقد أوحينا إليهم بما يبلغونه إلى أقوامهم، من نصائح وتوجيهات وعبادات وتشريعات، وقد لقى هؤلاء الرسل من أقوامهم، مثل ما لقيت من قومك من أذى وتكذيب وتعنت في الأسئلة.فالمقصود من الآية الكريمة تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والرد على المشركين فيما أثاروه حوله صلى الله عليه وسلم من شبهات.وقد حكى القرآن في مواطن عدة إنكار المشركين لبشرية الرسل ورد عليهم بما يخرسهم، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى.. .وقوله- تعالى-: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا، أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا .وقوله- تعالى- ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا، فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ .والمراد بأهل الذكر في قوله «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» علماء أهل الكتاب أى: لقد اقتضت حكمتنا أن يكون الرسول من البشر في كل زمان ومكان، فإن كنتم في شك من ذلك- أيها المكذبون- فاسألوا علماء أهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى، فسيبينون لكم أن الرسل جميعا كانوا من البشر ولم يكونوا من الملائكة.وهذه الجملة الكريمة معترضة بين قوله- تعالى- وَما أَرْسَلْنا.. وبين قوله بعد ذلك: بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ.. للمبادرة إلى توبيخ المشركين وإبطال شبهتهم، لأنه قد احتج عليهم، بمن كانوا يذهبون إليهم لسؤالهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم.وفي قوله- تعالى- إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ إيماء إلى أنهم كانوا يعلمون أن الرسل لا يكونون إلا من البشر، ولكنهم قصدوا بإنكار ذلك الجحود والمكابرة، والتمويه لتضليل الجهلاء، ولذا جيء في الشرط بحرف «إن» المفيد للشك.وجواب الشرط لهذه الجملة محذوف، دل عليه ما قبله. أى: إن كنتم لا تعلمون، فاسألوا أهل الذكر. وقيل المراد بأهل الذكر هنا: المسلمون مطلقا، لأن الذكر هو القرآن، وأهله هم المسلمون.ونحن لا ننكر أن الذكر يطلق على القرآن الكريم، كما في قوله- تعالى- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ إلا أن المراد بأهل الذكر هنا: علماء أهل الكتاب، لأن المشركين كانوا يستفسرون منهم عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، أكثر من استفسارهم من المسلمين.قال الآلوسى ما ملخصه قوله- تعالى-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ.. أى: أهل الكتاب من اليهود والنصارى. قاله: ابن عباس والحسن والسدى وغيرهم.وقال أبو حيان في البحر: والمراد من لم يسلم من أهل الكتاب، لأنهم الذين لا يتهمون عند المشركين في إخبارهم بأن الرسل كانوا رجالا، فإخبارهم بذلك حجة عليهم. والمراد كسر حجتهم وإلزامهم، وإلا فالحق واضح في نفسه لا يحتاج إلى إخبار هؤلاء..» .قالوا: وفي الآية دليل على وجوب الرجوع إلى أهل العلم فيما لا يعلم، وعلى أن الرسل جميعا كانوا من الرجال ولم يكن من بينهم امرأة قط.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) نزلت في مشركي مكة حيث أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فهلا بعث إلينا ملكا ؟( فاسألوا أهل الذكر ) يعني مؤمني أهل الكتاب ، ( إن كنتم لا تعلمون )