وأما الجبال الصم الصلاب، فتكون كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ أي: كالصوف المنفوش، الذي بقي ضعيفًا جدًا، تطير به أدنى ريح، قال تعالى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ثم بعد ذلك، تكون هباء منثورًا، فتضمحل ولا يبقى منها شيء يشاهد، فحينئذ تنصب الموازين، وينقسم الناس قسمين: سعداء وأشقياء،
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ بيان لحالة أخرى من الأحوال التي يكون عليها هذا الكون يوم القيامة.والعهن: الصوف ذو الألوان المتعددة، والمنفوش: المفرق بعضه عن بعض.أى: وتكون الجبال في ذلك اليوم، كالصوف الذي ينفش ويفرق باليد ونحوها. لخفته وتناثر أجزائه، حتى يسهل غزله.والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، يراها قد اشتملت على أقوى الأساليب وأبلغها، في التحذير من أهوال يوم القيامة، وفي الحض على الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح.لأنها قد ابتدأت بلفظ القارعة، المؤذن بأمر عظيم، ثم ثنت بالاستفهام المستعمل في التهويل، ثم أعادت اللفظ بذاته بدون إضمار له زيادة في تعظيم أمره، ثم جعلت الخطاب لكل من يصلح له، ثم شبهت الناس فيه تشبيها تقشعر منه الجلود، ثم وصفت الجبال- وهي المعروفة بصلابتها ورسوخها- بأنها ستكون في هذا اليوم كالصوف المتناثر الممزق.