﴿ وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم بين صفة فسقهم وأعمالهم، فقال: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ والأعمال كلها شرط قبولها الإيمان، فهؤلاء لا إيمان لهم ولا عمل صالح، حتى إن الصلاة التي هي أفضل أعمال البدن، إذا قاموا إليها قاموا كسالى، قال: وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى أي: متثاقلون، لا يكادون يفعلونها من ثقلها عليهم.وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ من غير انشراح صدر وثبات نفس، ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من اللّه وحده، ولا يتشبه بالمنافقين.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- على سبيل التفصيل لمظاهر فسقهم- أن هناك ثلاثة أسباب أدت إلى عدم قبول نفقاتهم.أما السبب الأول فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ...أى: وما منعهم قبول نفقاتهم شيء من الأشياء إلا كفرهم بالله- تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم.فالاستثناء من أهم الأشياء. والضمير في «منعهم» هو المفعول الأول للفعل، وقوله:أَنْ تُقْبَلَ هو المفعول الثاني، لأن الفعل «منع» يتعدى لمفعولين تارة بنفسه كما هنا، وتارة يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف الجر وهو حرف «من» أو «عن» .والفاعل ما في حيز الاستثناء وهو قوله: إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا ...وأما السبب الثاني فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى.ولفظ «كسالى» . جمع كسلان، مأخوذ من الكسل بمعنى التثاقل عن الشيء، والفتور عن أدائه. وفعله بزنة فرح.أى: ولا يأتون الصلاة التي كتبها الله عليهم في حال من الأحوال، إلا في حال كونهم قوم خلت قلوبهم من الإيمان، فصاروا لا يرجون من وراء أدائها ثوابا ولا يخشون من وراء تركها عقابا، وإنما يؤدونها رياء أو تقية للمسلمين.وشبيه بهذه الجملة الكريمة قوله- تعالى- في سورة النساء: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى، يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا.وأما، السبب الثالث فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ.أى. ولا ينفقون نفقة في سبيل الله إلا وهم كارهون لها لأنهم يعدونها مغرما، ويعتبرون تركها مغنما، وما حملهم على الإنفاق إلا الرياء أو المخادعة أو الخوف من انكشاف أمرهم، وافتضاح حالهم.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: الكراهية خلاف الطواعية، وقد جعلهم الله- تعالى- طائعين في قوله «طوعا» ثم وصفهم هنا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون فكيف ذلك؟قلت: المراد بطوعهم أنهم يبذلون نفقتهم من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رؤسائهم، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار، لا عن رغبة واختيار .أى: أن نفقتهم في جميع الأحوال لا يقصد بها الاستجابة لشرع الله، وإنما يقصد بها الرياء أو المخادعة، أو خدمة مصالحهم الخاصة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وما منعهم أن تقبل منهم ) قرأ حمزة والكسائي : " يقبل " بالياء لتقدم الفعل ، وقرأ الباقون بالتاء لأن الفعل مسند إلى جمع مؤنث وهو النفقات ، فأنث الفعل ليعلم أن الفاعل مؤنث ، ( نفقاتهم ) صدقاتهم ، ( إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ) أي : المانع من قبول نفقاتهم كفرهم ، ( ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ) متثاقلون لأنهم لا يرجون على أدائها ثوابا ، ولا يخافون على تركها عقابا ، فإن قيل : كيف ذم الكسل في الصلاة ولا صلاة لهم أصلا؟ قيل : الذم واقع على الكفر الذي يبعث على الكسل ، فإن الكفر مكسل ، والإيمان منشط ، ( ولا ينفقون إلا وهم كارهون ) لأنهم يعدونها مغرما ومنعها مغنما .