وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ من أجر الدنيا لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ أي: لمن جمع بين التقوى والإيمان، فبالتقوى تترك الأمور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها، وبالإيمان التام يحصل تصديق القلب، بما أمر الله بالتصديق به، وتتبعه أعمال القلوب وأعمال الجوارح، من الواجبات والمستحبات.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وأبقى لِلَّذِينَ آمَنُوا بالله- تعالى- إيمانا حقا وَكانُوا يَتَّقُونَ خالقهم- عز وجل- في كل ما يأتون وما يذرون، بأن يصونوا أنفسهم عن كل ما يغضبه.وهكذا كافأ الله- تعالى- يوسف على صبره وتقواه وإحسانه، بما يستحقه من خير وسعادة في الدنيا والآخرة.ثم تطوى السورة بعد ذلك أحداثا نكل معرفتها إلى فهم القارئ وفطنته، فهي لم تحدثنا- مثلا- عن الطريقة التي اتبعها يوسف في إدارته لخزائن أرض مصر، اكتفاء بقوله إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ للدلالة على كفايته وأمانته.كذلك لم تحدثنا عن أحوال الناس في السنوات السبع العجاف، وفي السنوات الخضر لأن هذا مقرر ومعروف في دنيا الناس.كذلك لم تحدثنا عن صلة الملك وحاشيته بيوسف، بعد أن صار أمينا على خزائن الأرض، بل أفسحت المجال كله للحديث عن يوسف، إنزالا للناس منازلهم، إذ هو صاحب التفسير الصحيح لرؤيا الملك، وصاحب الأفكار الحكيمة التي أنقذت الأمة من فقر سبع سنوات شداد، وصاحب الدعوة إلى وحدانية الله- تعالى- وإخلاص العبادة له، بين قوم يشركون مع الله في العبادة آلهة أخرى.لم تحدثنا السورة الكريمة عن كل ذلك، في أعقاب حديثها عن تمكين الله- تعالى- ليوسف في الأرض، وإنما انتقلت بنا بعد ذلك مباشرة إلى الحديث عن لقاء يوسف بإخوته، وعما دار بينه وبينهم من محاورات، وعن إكرامه لهم ...قال تعالى:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ولأجر الآخرة ) ثواب الآخرة ( خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ) .فلما اطمأن يوسف في ملكه دبر في جمع الطعام بأحسن التدبير ، وبنى الحصون والبيوت الكثيرة ، وجمع فيها الطعام للسنين المجدبة ، وأنفق بالمعروف حتى خلت السنون المخصبة ودخلت السنون المجدبة بهول لم يعهد الناس بمثله .وروي أنه كان قد دبر في طعام الملك وحاشيته كل يوم مرة واحدة نصف النهار ، فلما دخلت سنة القحط كان أول من أخذه الجوع هو الملك في نصف الليل فنادى يا يوسف الجوع الجوع ! .فقال يوسف : هذا أوان القحط .ففي السنة الأولى من سني الجدب هلك كل شيء أعدوه في السنين المخصبة ، فجعل أهل مصر يبتاعون من يوسف الطعام ، فباعهم أول سنة بالنقود حتى لم يبق بمصر دينار ولا درهم إلا قبضه ، وباعهم السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء ، وباعهم السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع ، وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق في يد أحد عبد ولا أمة ، وباعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها ، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم ، وباعهم السنة السابعة برقابهم [ حتى استرقهم ] ، ولم يبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا له .فقال الناس : ما رأينا يوما كاليوم ملكا أجل ولا أعظم من هذا .ثم قال يوسف للملك : كيف رأيت صنع ربي فيما خولني فما ترى في ذلك ؟فقال له الملك : الرأي رأيك ونحن لك تبع .قال : فإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم ، ورددت عليهم أملاكهم .وروي أن يوسف كان لا يشبع من طعام في تلك الأيام ، فقيل له : أتجوع وبيدك خزائن الأرض ؟ .فقال : أخاف إن شبعت أن أنسى الجائع ، وأمر يوسف عليه السلام طباخي الملك أن يجعلوا غداءه نصف النهار ، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين ، فمن ثم جعل الملوك غذاءهم نصف النهار .قال : وقصد الناس مصر من كل أوب يمتارون الطعام فجعل يوسف لا يمكن أحدا منهم - وإن كان عظيما - من أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس ، وتزاحم الناس عليه وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام ما أصاب الناس في سائر البلاد من القحط والشدة ، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس ، فأرسل بنيه إلى مصر للميرة ، وأمسك بنيامين أخا يوسف لأمه ، فذلك قوله تعالى :