﴿ ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: ومن هؤلاء المنافقين من يعيبك في قسمة الصدقات، وينتقد عليك فيها، وليس انتقادهم فيها وعيبهم لقصد صحيح، ولا لرأي رجيح، وإنما مقصودهم أن يعطوا منها. فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ وهذه حالة لا تنبغي للعبد أن يكون رضاه وغضبه، تابعا لهوى نفسه الدنيوي وغرضه الفاسد، بل الذي ينبغي أن يكون هواه تبعا لمرضاة ربه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الإمام الرازي: اعلم أن المقصود من هذا، شرح نوع آخر من قبائحهم وفضائحهم، وهو طعنهم في الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب أخذ الصدقات من الأغنياء، ويقولون إنه يؤثر بها من يشاء من أقاربه وأهل مودته، وينسبونه إلى أنه لا يراعى العدل، .هذا، وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها:ما أخرجه البخاري والنسائي عن أبى سعيد الخدري- رضى الله عنه- قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل» ؟، فقال عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-:ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم في الرمية ... » .قال أبو سعيد، فنزلت فيهم: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ...وروى ابن مردويه عن ابن مسعود- رضى الله عنه- قال: «لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: «رحمة الله على موسى، لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر» . ونزل وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ .وقوله: يَلْمِزُكَ أى: يعيبك ويطعن عليك في قسمة الصدقات وغيرها من الأموال، مأخوذ من اللمز وهو العيب. يقال لمزة وهمزة يلمزه ويهمزه إذا عابه وطعن عليه، ومنه قوله- تعالى-: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.وقيل: اللمز ما كان يحضره الملموز، والهمز ما كان في غيابه.والمعنى: ومن هؤلاء المنافقين- يا محمد- من يعيبك ويطعن عليك في قسمة الصدقات والغنائم، زاعمين أنك لست عادلا في قسمتك.وقوله: فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا ... بيان لفساد لمزهم وطعنهم، وأن الدافع إليه إنما هو الطمع والشره في حطام الدنيا، وليس الغضب من أجل إحقاق الحق: أو من أجل نشر العدالة بين الناس.أى: أن هؤلاء المنافقين إن أعطيتهم. يا محمد. من تلك الصدقات، رضوا عنك، وحكموا على هذا العطاء بأنه عدل حتى ولو كان ظلما، وإن لم تعطهم منها سخطوا عليك، واتهموك بأنك غير عادل، حتى ولو كان عدم عطائهم هو الحق بعينه، فهم لا يقولون ما يقولونه فيك غضبا للعدل، ولا حماسة للحق، ولا غيرة على الدين.. وإنما يقولون ما يقولون من أجل مطامعهم الشخصية، ومنافعهم الذاتية.قال الجمل. وقوله إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ إذا هنا فجائية، قائمة مقام فاء الجزاء في الربط على حد قوله: «وتخلف الفاء إذا المفاجأة» . والأصل. فهم يسخطون، وغاير.سبحانه. بين جوابي الجملتين، للاشارة إلى أن سخطهم ثابت لا يزول ولا يفنى بخلاف رضاهم .وقال صاحب المنار. وقد عبر- سبحانه- عن رضاهم بصيغة الماضي: للدلالة على أنه كان يكون لأجل العطاء في وقته وينقضي، فلا يعدونه نعمة يتمنون دوام الإسلام لدوامها، وعبر عن سخطهم بإذا الفجائية وبالفعل المضارع، للدلالة على سرعته واستمراره. وهذا دأب المنافقين وخلقهم في كل زمان ومكان، كما نراه بالعيان حتى من مدعى كمال الإيمان، والعلم والعرفان
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى ( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) الآية نزلت في ذي الخويصرة التميمي ، واسمه حرقوص بن زهير ، أصل الخوارج .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما فينا ، أتاه ذو الخويصرة ، وهو رجل من بني تميم فقال : يا رسول اعدل ، فقال : " ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل " ، فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه ، فقال له : " دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه ، وهو قدحه ، فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم : رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فرقة من الناس " . قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس ، فوجد ، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعته .وقال الكلبي : قال رجل من المنافقين يقال له أبو الجواظ : لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لم تقسم بالسوية ، فأنزل الله تعالى ( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) أي : يعيبك في أمرها وتفريقها ويطعن عليك فيها . يقال : لمزه وهمزه ، أي : عابه ، يعني أن المنافقين كانوا يقولون إن محمدا لا يعطي إلا من أحب . وقرأ يعقوب ( يلمزك ) حيث كان . وقال مجاهد : يلمزك أي : يروزك يعني : يختبرك . ( فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) قيل : إن أعطوا كثيرا فرحوا وإن أعطوا قليلا سخطوا .