﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ثم ذكر منته على رسوله وعلى الناس، حيث أنزل الله قُرْآنًا عَرَبِيًّا بين الألفاظ والمعاني لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وهي مكة المكرمة وَمَنْ حَوْلَهَا من قرى العرب، ثم يسري هذا الإنذار إلى سائر الخلق. وَتُنْذِرَ الناس يَوْمَ الْجَمْعِ الذي يجمع الله به الأولين والآخرين، وتخبرهم أنه لَا رَيْبَ فِيهِ وأن الخلق ينقسمون فيه فريقين فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وهم الذين آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ وهم أصناف الكفرة المكذبين.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والكاف في قوله- تعالى-: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا.. في محل نصب على المصدرية، واسم الإشارة يعود إلى مصدر أَوْحَيْنا.أى: ومثل ذلك الإيحاء البديع الواضح، أوحينا إليك- أيها الرسول الكريم- قرآنا عربيا، لا لبس فيه ولا غموض.وقوله- سبحانه- لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها تعليل لهذا الإيحاء. والمراد بأم القرى: أهلها.وسميت مكة بأم القرى، لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم، ولأنها أعظم القرى شأنا وغيرها كالتبع لها، كما يتبع الفرع الأصل، أى: أوحينا إليك هذا القرآن لتنذر به أهل أم القرى، ولتنذر به- أيضا- من حولها من أهل القرى الأخرى.وخص أهل أم القرى ومن حولها بالذكر في الإنذار، لأنهم أقرب الناس إليه صلّى الله عليه وسلّم كما قال- تعالى- في آية أخرى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.وليس معنى هذا التخصيص أن رسالته صلّى الله عليه وسلّم كانت إليهم وحدهم، لأن هناك آيات أخرى كثيرة قد صرحت بأن رسالته صلّى الله عليه وسلّم كانت إلى الناس كافة، ومن هذه الآيات:وقوله- تعالى-: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وقوله- سبحانه-:وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ وقوله- عز وجل-: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ.فهذه الآيات وغيرها تنطق وتشهد بأن رسالته صلّى الله عليه وسلّم كانت للناس جميعا، بل للإنس وللجن، كما يشير إلى ذلك قوله- تعالى-: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا، فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.وجملة وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ معطوفة على ما قبلها. والمراد بيوم الجمع: يوم القيامة، لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون بين يدي الله- تعالى- للحساب والجزاء، والثواب والعقاب.أى: أوحينا إليك هذا القرآن لتنذر به أهل مكة ومن حولها، وتنذر الناس جميعا وتخوفهم من أهوال يوم القيامة، الذي يجتمع فيه الخلائق للحساب.وقوله: لا رَيْبَ فِيهِ كلام معترض لتقرير ما قبله وتأكيده، أو صلة ليوم الجمع.وقوله: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ بيان للنتيجة التي ترتبت على هذا الإنذار.أى: بعد هذا الإنذار الذي أنذرته للناس- أيها الرسول الكريم- هناك فريق آمن بك وصدقك فكان مصيره إلى الجنة، وهناك فريق أعرض عنك وكذبك، فكان مصيره إلى النار.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وكذلك ) مثل ما ذكرنا ، ( أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ) مكة ، يعني : أهلها ، ( ومن حولها ) يعني قرى الأرض كلها ، ( وتنذر يوم الجمع ) أي : تنذرهم بيوم الجمع وهو يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين وأهل السماوات وأهل الأرضين ( لا ريب فيه ) لا شك في الجمع أنه كائن ثم بعد الجمع يتفرقون . ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) .أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، حدثنا أبو منصور الخشماذي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان التنوخي ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثني سعيد بن عثمان عن أبي الزاهر ، حدثنا جرير بن كريب عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال الثعلبي : وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا ليث ، حدثني أبو قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم قابضا على كفيه ومعه كتابان ، فقال : " أتدرون ما هذان الكتابان ؟ " قلنا : لا يا رسول الله ، فقال للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب ، وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم ، إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة . ثم قال للذي في يساره : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب ، وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون ، فليس بزائد فيهم ولا بناقص منهم ، إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة . فقال عبد الله بن عمرو : ففيم العمل إذا يا رسول الله ؟ فقال : " اعملوا وسددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة ، وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل . ثم قال : " فريق في الجنة " فضل من الله ، " وفريق في السعير " عدل من الله عز وجل " .