﴿ قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
ولهذا لما عرف السحرة الحق، ورزقهم الله من العقل ما يدركون به الحقائق، أجابوه بقولهم: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ أي: لن نختارك وما وعدتنا به من الأجر والتقريب، على ما أرانا الله من الآيات البينات الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده، المعظم المبجل وحده، وأن ما سواه باطل، ونؤثرك على الذي فطرنا وخلقنا، هذا لا يكون فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ مما أوعدتنا به من القطع، والصلب، والعذاب. إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا أي: إنما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا، ينقضي ويزول ولا يضرنا، بخلاف عذاب الله، لمن استمر على كفره، فإنه دائم عظيم.وهذا كأنه جواب منهم لقوله: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى وفي هذا الكلام، من السحرة، دليل على أنه ينبغي للعاقل، أن يوازن بين لذات الدنيا، ولذات الآخرة، وبين عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- أن السحرة بعد أن استقر الإيمان في قلوبهم، قد قابلوا تهديد فرعون لهم بالاستخفاف وعدم الاكتراث فقال: قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ، وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ...أى: قال السحرة في ردهم على تهديد فرعون لهم: لن نختارك يا فرعون ولن نرضى بأن نكون من حزبك، ولن نقدم سلامتنا من عذابك.. على ما ظهر لنا من المعجزات التي جاءنا بها موسى، والتي على رأسها عصاه التي ألقاها فإذا هي تبتلع حبالنا وعصينا.وجملة «والذي فطرنا» الواو فيها للعطف على «ما» في قوله ما جاءَنا.أى: لن نختارك يا فرعون على الذي جاءنا من البينات على يد موسى، ولا على الذي فطرنا أى خلقنا وأوجدنا في هذه الحياة.ويصح أن تكون هذه الواو للقسم، والموصول مقسم به، وجواب القسم محذوف دل عليه ما قبله، والمعنى: وحق الذي فطرنا لن نؤثرك يا فرعون على ما جاءنا من البينات.وقوله: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ تصريح منهم بأن تهديده لهم لا وزن له عندهم، ورد منهم على قوله: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ.أى: لن نقدم طاعتك على طاعة خالقنا بعد أن ظهر لنا الحق، فافعل ما أنت فاعله، ونفذ ما تريد تنفيذه في جوارحنا، فهي وحدها التي تملكها، أما قلوبنا فقد استقر الإيمان فيها، ولا تملك شيئا من صرفها عما آمنت به.قال بعض العلماء: واعلم أن العلماء اختلفوا: هل فعل بهم فرعون ما توعدهم به، أو لم يفعله بهم؟.فقال قوم: قتلهم وصلبهم، وقوم أنكروا ذلك، وأظهر هما عندي: أنه لم يقتلهم، وأن الله عصمهم منه لأجل إيمانهم الراسخ بالله- تعالى- لأن الله قال لموسى وهارون: أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ .وقوله: إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا تعليل لعدم مبالاتهم بتهديده لهم.أى: افعل يا فرعون ما أنت فاعله بأجسامنا، فإن فعلك هذا إنما يتعلق بحياتنا في هذه الحياة الدنيا، وهي سريعة الزوال، وعذابها أهون من عذاب الآخرة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( قالوا ) يعني السحرة : ( لن نؤثرك ) لن نختارك ، ( على ما جاءنا من البينات ) يعني الدلالات ، قال مقاتل : يعني اليد البيضاء والعصا .وقيل : كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحرا فأين حبالنا وعصينا .وقيل : ( من البينات ) يعني من التبيين والعلم .حكي عن القاسم بن أبي بزة أنه قال : إنهم لما ألقوا سجدا ما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار ، ورأوا ثواب أهلها ، ورأوا منازلهم في الجنة ، فعند ذلك قالوا : لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ، ( والذي فطرنا ) أي : لن نؤثرك على الله الذي فطرنا ، وقيل : هو قسم ، ( فاقض ما أنت قاض ) أي : فاصنع ما أنت صانع ، ( إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) أي : أمرك وسلطانك في الدنيا وسيزول عن قريب .