وَنَادَوْا وهم في النار، لعلهم يحصل لهم استراحة، يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ أي: ليمتنا فنستريح، فإننا في غم شديد، وعذاب غليظ، لا صبر لنا عليه ولا جلد. ف قَالَ لهم مالك خازن النار -حين طلبوا منه أن يدعو اللّه لهم أن يقضي عليهم-: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ أي: مقيمون فيها، لا تخرجون عنها أبدا، فلم يحصل لهم ما قصدوه، بل أجابهم بنقيض قصدهم، وزادهم غما إلى غمهم.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم حكى- سبحانه- بعض أقوالهم بعد نزول العذاب بهم فقال: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ.والمراد بذلك سؤال مالك خازن النار، واللام في قوله لِيَقْضِ لام الدعاء.أى: وبعد أن طال العذاب على هؤلاء الكافرين، نادوا في ذلة واستجداء قائلين لخازن النار: يا مالك ادع لنا ربك كي يقضى علينا، بأن يميتنا حتى نستريح من هذا العذاب.فالمراد بالقضاء هنا: الإهلاك والإماتة، ومنه قوله- تعالى-: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ.. أى: فأهلكه.وفي هذا النداء ما فيه من الكرب والضيق، حتى إنهم ليتمنون الموت لكي يستريحوا مما هم فيه من عذاب.وهنا يجيئهم الرد بما يزيدهم غما على غمهم، وهو قوله- تعالى-: قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ أى: قال مالك في الرد عليهم: إنكم ماكثون فيها بدون موت يريحكم من عذابها، وبدون حياة تجدون معها الراحة والأمان.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( ونادوا يا مالك ) . يدعون خازن النار ( ليقض علينا ربك ) ليمتنا ربك فنستريح فيجيبهم مالك بعد ألف سنة ( قال إنكم ماكثون ) مقيمون في العذاب .أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة يذكره عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال [ النبي - صلى الله عليه وسلم - ] : " إن أهل النار يدعون مالكا فلا يجيبهم أربعين عاما ، ثم يرد عليهم إنكم ماكثون ، قال : هانت - والله - دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ، ثم يدعون ربهم فيقولون : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، قال : فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ، ثم يرد عليهم : اخسئوا فيها ولا تكلمون ، قال : فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة ، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم ، فشبه أصواتهم بأصوات الحمير ، أولها زفير وآخرها شهيق .