﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: وأمرنا الإنسان، ووصيناه بوالديه حسنا، أي: ببرهما والإحسان إليهما، بالقول والعمل، وأن يحافظ على ذلك، ولا يعقهما ويسيء إليهما في قوله وعمله. وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه، وهذا تعظيم لأمر الشرك، فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فأجازيكم بأعمالكم، فبروا والديكم وقدموا طاعتهما، إلا على طاعة اللّه ورسوله، فإنها مقدمة على كل شيء.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول الآية الأولى روايات منها ما أخرجه الترمذي، من أنها نزلت في سعد بن أبى وقاص، وذلك أنه حين أسلم، قالت له أمه حمنة بنت سفيان:يا سعد بلغني أنك صبأت، فو الله لا يظلني سقف بيت، وإن الطعام والشراب على حرام، حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ... فجاء سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكى إليه ما قالته أمه.فنزلت هذه الآية.. فجاء سعد إليها فقال لها: يا أماه لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني، فكلي إن شئت، وإن شئت فلا تأكلى، فلما يئست منه أكلت وشربت ... »وقوله: حُسْناً منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف. أى: ووصينا الإنسان بوالديه إيصاء حسنا، وعبر بالمصدر للمبالغة في وجوب الإحسان إليهما، بأن يكون بارا بهما، وعطوفا عليهما، وسخيّا معهما.وقوله- سبحانه-: وَإِنْ جاهَداكَ معطوف على ما قبله بإضمار القول: أى:ووصينا الإنسان بوالديه حسنا، وقلنا له إِنْ جاهَداكَ أى: إن حملاك وأمراك لِتُشْرِكَ بِي في العبادة أو الطاعة ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما في ذلك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.وقوله- سبحانه-: ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ بيان للواقع، فهذا القيد لا مفهوم له، لأنه ليس هناك من إله في هذا الكون، سوى الله عز وجل.وقوله تعالى: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تذييل المقصود به التحذير من معصيته- سبحانه-.أى: إلى مرجعكم جميعا- أيها الناس- يوم القيامة، فأحاسبكم على أعمالكم حسابا دقيقا، وأجازى الذين أساءوا بما عملوا، وأجازى الذين أحسنوا بالحسنى.وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الأعمال الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ بفضلنا وإحساننا فِي الصَّالِحِينَ أى في زمرة الأقوام الصَّالِحِينَ الذين رضينا عنهم، ورضوا عنا.ثم يرسم القرآن الكريم بعد ذلك صورة واضحة لأصحاب القلوب المريضة، والنفوس الضعيفة، ويحكى جانبا من أقوالهم الفاسدة، ودعاواهم الكاذبة فيقول:
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله - عز وجل - : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) أي : برا بهما وعطفا عليهما ، معناه : ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن . نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان ( الآية 15 ) ، والأحقاف ( الآية 15 ) في سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري ، وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس - لما أسلم ، وكان من السابقين الأولين ، وكان بارا بأمه ، قالت له أمه : ما هذا الدين الذي أحدثت ؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه ، أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ، ويقال : يا قاتل أمه . ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل ، فأصبحت قد جهدت ، ثم مكثت يوما آخر لم تأكل ولم تشرب ، فجاء سعد إليها وقال : يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ، فلما أيست منه أكلت وشربت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمره بالبر بوالديه والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك ، فذلك قوله - عز وجل - : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) . وجاء في الحديث : " لا طاعة لمخلوق في معصية الله " . ثم أوعد بالمصير إليه فقال : ( إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها .