﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
تفسير الآيتين 93 و 94 : أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أي: مزخرف بالذهب وغيره أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ رقيًا حسيًا، و ومع هذا ف وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ولما كانت هذه تعنتات وتعجيزات؛ وكلام أسفه الناس وأظلمهم، المتضمنة لرد الحق وسوء الأدب مع الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يأتي بالآيات، أمره الله أن ينزهه فقال: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي عما تقولون علوًا كبيرًا، وسبحانه أن تكون أحكامه وآياته تابعة لأهوائهم الفاسدة، وآرائهم الضالة. هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ليس بيده شيء من الأمر.وهذا السبب الذي منع أكثر الناس من الإيمان، حيث كانت الرسل التي ترسل إليهم من جنسهم بشرًا.وهذا من رحمته بهم، أن أرسل إليهم بشرًا منهم، فإنهم لا يطيقون التلقي من الملائكة.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما حكى شبهة القوم في اقتراح المعجزات الزائدة، وأجاب عنها، حكى عنهم شبهة أخرى، وهي أن القوم استبعدوا أن يبعث الله إلى الخلق رسولا من البشر، بل اعتقدوا أن الله- تعالى- لو أرسل رسولا إلى الخلق، لوجب أن يكون ذلك الرسول من الملائكة، فأجاب الله- تعالى- عن هذه الشبهة فقال:وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا ... .والمراد بالناس هنا: المشركون منهم، الذين استبعدوا واعتقدوا أن الرسول لا يكون من البشر، ويدخل فيهم دخولا أوليا كفار مكة.وجملة أَنْ يُؤْمِنُوا في محل نصب، لأنها مفعول ثان لمنع.وقوله: إِلَّا أَنْ قالُوا هو الفاعل، و «إذ» ظرف للفعل منع، أو لقوله: أَنْ يُؤْمِنُوا.والمعنى: وما صرف المشركين عن الإيمان بالدين الحق وقت أن جاءتهم به الرسل، إلا اعتقاد هؤلاء المشركين أن الله- تعالى- لا يبعث إليهم رجلا من البشر لكي يبلغهم وحيه، وإنما يبعث إليهم ملكا من الملائكة لكي يبلغهم ذلك.وعبر عن اعتقادهم الباطل هذا بالقول فقال: إِلَّا أَنْ قالُوا.. للإشعار بأنه مجرد قول لاكته ألسنتهم، دون أن يكون معهم أى مستند يستندون إليه لإثبات قبوله عند العقلاء.وجاء التعبير عن اعتقادهم الباطل هذا بصيغة الحصر، لبيان أنه مع بطلانه- هو من أهم الموانع والصوارف، التي منعتهم وصرفتهم عن الدخول في الدين الحق، الذي جاءتهم به الرسل- عليهم الصلاة والسلام-، وهذا لا يمنع أن هناك صوارف أخرى حالت بينهم وبين الإيمان كالحسد والعناد.قال صاحب الكشاف: والمعنى. وما منعهم من الإيمان بالقرآن، وبنبوة النبي صلى الله عليه وسلم إلا شبهة تلجلجت في صدورهم، وهي إنكارهم أن يرسل الله البشر. والهمزة في أَبَعَثَ اللَّهُ للإنكار، وما أنكروه فخلافه هو المنكر عند الله- تعالى- لأن قضية حكمته، أن لا يرسل ملك الوحى إلا إلى أمثاله، أو إلى الأنبياء» .والمتدبر في القرآن الكريم، يرى أن هذه الشبهة- وهي إنكار المشركين كون الرسول بشرا- قد حكاها في آيات كثيرة منها قوله- تعالى-: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ... .وقوله- تعالى-: ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا، فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا، وَاسْتَغْنَى اللَّهُ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ .ومما لا شك فيه أن هذه الشبهة تدل، على أن هؤلاء الكافرين، لم يدركوا قيمة بشريتهم وكرامتها عند الله- تعالى-، وذلك بسبب انطماس بصائرهم، وكثرة جهلهم، وعكوفهم على موروثاتهم الفاسدة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله عز وجل : ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا ) جهلا منهم ( أبعث الله بشرا رسولا ) أراد : أن الكفار كانوا يقولون لن نؤمن لك لأنك بشر وهلا بعث الله إلينا ملكا؟ فأجابهم الله تعالى : ( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين