ينزِّه الله تعالى عن كل ما لا يليق به كلُّ ما في السموات وما في الأرض، وهو وحده المالك لكل شيء، المتصرف فيه بلا منازع، المنزَّه عن كل نقص، العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في تدبيره وصنعه.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«يسبح لله» ينزهه فاللام زائدة «ما في السماوات وما في الأرض» في ذكر ما تغليب للأكثر «الملك القدوس» المنزه عما لا يليق به «العزيز الحكيم» في ملكه وصنعه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: يسبح لله، وينقاد لأمره، ويتألهه، ويعبده، جميع ما في السماوات والأرض، لأنه الكامل الملك، الذي له ملك العالم العلوي والسفلي، فالجميع مماليكه، وتحت تدبيره، الْقُدُّوسُ المعظم، المنزه عن كل آفة ونقص، الْعَزِيزُ القاهر للأشياء كلها، الْحَكِيمُ في خلقه وأمره.فهذه الأوصاف العظيمة مما تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
﴿ تفسير البغوي ﴾
مدنية"يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم".
﴿ تفسير الوسيط ﴾
مقدمة وتمهيد1- سورة «الجمعة» من السور المدنية الخالصة.قال الآلوسى: هي مدنية، كما روى عن ابن عباس وابن الزبير، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وإليه ذهب الجمهور.وقال ابن يسار: هي مكية، وحكى ذلك عن ابن عباس ومجاهد: والأول هو الصحيح. لما رواه البخاري وغيره عن أبى هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة، فتلاها، فلما بلغ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ... قال له رجل: يا رسول الله- من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي، وقال:«والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء ... » .ومن المعروف أن إسلام أبى هريرة كان بعد الهجرة بمدة بالاتفاق...2- وعدد آياتها إحدى عشرة آية، وكان نزولها بعد سورة «التحريم» ، وقبل سورة «التغابن» .وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقرؤها في صلاة الجمعة، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة «الجمعة والمنافقون» .وأخرج ابن حيان والبيهقي عن جابر بن سمرة أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة بسورة «الكافرون» وبسورة «قل هو الله أحد ... » ، وكان يقرأ في صلاة العشاء الأخيرة من ليلة الجمعة، بسورة «الجمعة» ، وبسورة «المنافقون» ..وسميت بهذا الاسم لحديثها عن يوم الجمعة، وعن وجوب السعى إلى صلاتها.3- وقد اشتملت السورة الكريمة، على الثناء على الله- عز وجل-، وعلى مظاهر نعمه على عباده، حيث أرسل فيهم رسولا كريما، ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة..كما اشتملت على توبيخ اليهود وذمهم، لعدم عملهم بالكتاب الذي أنزله- سبحانه- لهدايتهم وإصلاح حالهم..كما اشتملت على دعوة المؤمنين، إلى المحافظة على صلاة الجمعة، وعلى المبادرة إليها دون أن يشغلهم عنها شاغل.نسأل الله- تعالى- أن يجعلنا من المحافظين على فرائضه وتكاليفه.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..افتتحت سورة " الجمعة " كغيرها من أخواتها " المسبحات " بالثناء على الله - تعالى - وببيان أن المخلوقات جميعها ، تسبح بحمده - تعالى - وتقدس له .والتسبيح : تنزيه الله - تعالى - عما لا يليق به ، اعتقادا وقولا وعملا مأخوذ من السبح وهو المر السريع فى الماء أو الهواء ، لأن المسبح لله ، - تعالى - مسرع فى تنزيهه - تعالى - وتبرئته من كل سوء .وقوله : ( القدوس ) من التقديس بمعنى والتطهير وغير ذلك من صفات الكمال .أى : أن التسبيح : نفى ما لا يليق بذاته - تعالى - ، والتقديس : إثبات ما يليق بجلاله - سبحانه - والمعنى : ينزه الله - تعالى - ويبعده عن كل نقص ، جميع ما فى السموات ، وجميع ما فى الأرض من مخلوقات ، فهو - سبحانه - ( الملك ) أى : المدبر لشئون هذا الكون ، المتصرف فيه تصرف المالك فيما يملكه . . .( القدوس ) أى : البليغ فى الطهارة وفى التنزه عن كل نقص ، من القُدْس - ضم القاف وسكون الدال - بمعنى الطهر ، وأصله القَدَس - بفتح القاف والدال - وهو الإناء الذى يكون فيه ما يتطهر به ، ومنه القادوس وهو إناء معروف .( العزيز ) الذى لا يغلبه غالب ( الحكيم ) فى كل أقواله وأفعاله وتصرفاته .هذا ، ومن الآيات الكثيرة الدالة على أن جميع من فى السموات ومن فى الأرض ، يسبحون لله - تعالى - قوله - عز وجل - : ( تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً . . ).
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
تفسير سورة الجمعة وهي مدنية .عن ابن عباس ، وأبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين . رواه مسلم في صحيحه .يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السماوات وما في الأرض ، أي : من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها ، كما قال : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [ الإسراء : 44 ]ثم قال : ( الملك القدوس ) أي : هو مالك السماوات والأرض المتصرف فيهما بحكمه ، وهو ( القدوس ) أي : المنزه عن النقائص ، الموصوف بصفات الكمال ( العزيز الحكيم ) تقدم تفسيره غير مرة .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
سورة الجمعةمدنية في قول الجميع ، وهي إحدى عشرة آية . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة " . وعنه قال : قال رسول الله : " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، ونحن أول من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له - قال - يوم الجمعة ، فاليوم لنا وغدا لليهود وبعد غد للنصارى " .بسم الله الرحمن الرحيميسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيمتقدم الكلام فيه . وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم " الملك القدوس العزيز الحكيم " كلها رفعا ; أي هو الملك .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: يسبح لله كلّ ما في السموات السبع، وكل ما في الأرضين من خلقه، ويعظمه طوعًا وكرهًا، (الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ) الذي له ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما، النافذ أمره في السموات والأرض وما فيهما، القدوس: وهو الطاهر من كلّ ما يضيف إليه المشركون به، ويصفونه به مما ليس من صفاته المبارك (الْعَزِيزِ ) يعني الشديد في انتقامه من أعدائه (الْحَكِيم ) في تدبيره خلقه، وتصريفه إياهم فيما هو أعلم به من مصالحهم.
﴿ يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ﴾