فمَن غَيَّر وصية الميت بعدما سمعها منه قبل موته، فإنما الذنب على مَن غيَّر وبدَّل. إن الله سميع لوصيتكم وأقوالكم، عليم بما تخفيه صدوركم من الميل إلى الحق والعدل أو الجور والحيف، وسيجازيكم على ذلك.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فمن بدَّله» أي الإيصاء من شاهد ووصي «بعد ما سمعه» علمه «فإنما إثمه» أي الإيصاء المبدل «على الذين يبدلونه» فيه إقامة الظاهر مقام المضمر «إن الله سميع» لقول الموصي «عليم» بفعل الوصي فمجاز عليه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ولما كان الموصي قد يمتنع من الوصية, لما يتوهمه أن من بعده, قد يبدل ما وصى به قال تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ أي: الإيصاء للمذكورين أو غيرهم بَعْدَمَا سَمِعَهُ [أي:] بعدما عقله, وعرف طرقه وتنفيذه، فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ وإلا فالموصي وقع أجره على الله, وإنما الإثم على المبدل المغير. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يسمع سائر الأصوات, ومنه سماعه لمقالة الموصي ووصيته، فينبغي له أن يراقب من يسمعه ويراه, وأن لا يجور في وصيته، عَلِيمٌ بنيته, وعليم بعمل الموصى إليه، فإذا اجتهد الموصي, وعلم الله من نيته ذلك, أثابه ولو أخطأ، وفيه التحذير للموصى إليه من التبديل، فإن الله عليم به, مطلع على ما فعله, فليحذر من الله، هذا حكم الوصية العادلة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى ( فمن بدله ) أي غير الوصية في الأوصياء أو الأولياء أو الشهود ( بعدما سمعه ) أي بعدما سمع قول الموصي ولذلك ذكر الكناية مع كون الوصية مؤنثة وقيل الكناية راجعة إلى الإيصاء كقوله تعالى : "فمن جاءه موعظة من ربه " ( 275 - البقرة ) رد الكناية إلى الوعظ ( فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) والميت بريء منه ( إن الله سميع ) لما أوصى به الموصي ( عليم ) بتبديل المبدل أو سميع لوصيته عليم بنيته
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم توعد - سبحانه - من يبدل الوصية بطريقة لم يأذن بها الله فقال - تعالى - : ( فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الذين يُبَدِّلُونَهُ ) .بدله : غير . وتغيير الوصية يتأتى بالزيادة في الموصى به أو النقص منه أو كتمانه ، أو غير ذلك من وجوه التغيير للموصى به بعد وفاة الموصى .سمعه : أي علمه وتحققه ، وكنى بالسماع عن العلم لأنه طريق حصوله . والضمائر البارزة في " بدله وسمعه وإثمه ويبدلونه " عائدة على القول أو على الكلام الذي يقوله الموصى والذي دل عليه لفظ الوصية أو على الإِيصاء المفهوم من الوصية ، وهو الإِيصاء أو القول الواقع على الوجه الذي شرعه الله .والمعنى : فمن غير الإِيصاء الذي أوصى به المتوفي عن وجهه ، بعدما علمه وتحققه منه ، فإنما إثم ذلك التغيير في الإيصاء يقع على عاتق هذا المبدل ، لأنه بهذا التبديل قد خان الأمانة ، وخالف شريعة الله ، ولن يلحق الموصى شيئاً من الإِثم لأنه قد أدى ما عليه بفعله للوصية كما يريدها الله - تعالى .وقد ختمت الآية بقوله - تعالى - : ( إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) للإِشعار بالوعيد الشديد الذي توعد الله به كل من غير وبدل هذا الحق عن وجهه ، لأن الله - تعالى - لا يخفى عليه شيء من حيل الناس الباطلة ، فهو - سبحانه سميع لوصية الموصى ، عليه بما يقع فيها من تبديل وتحريف .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) يقول تعالى : فمن بدل الوصية وحرفها ، فغير حكمها وزاد فيها أو نقص ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى ( فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) قال ابن عباس وغير واحد : وقد وقع أجر الميت على الله ، وتعلق الإثم بالذين بدلوا ذلك ) إن الله سميع عليم ) أي : قد اطلع على ما أوصى به الميت ، وهو عليم بذلك ، وبما بدله الموصى إليهم .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليمفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : فمن بدله شرط ، وجوابه فإنما إثمه على الذين يبدلونه و " ما " كافة ل " إن " عن العمل . وإثمه رفع بالابتداء ، على الذين يبدلونه موضع الخبر ، والضمير في بدله يرجع إلى الإيصاء ، لأن الوصية في معنى الإيصاء ، وكذلك الضمير في سمعه ، وهو كقوله : فمن جاءه موعظة من ربه أي وعظ ، وقوله : إذا حضر القسمة أي المال ، بدليل قوله " منه " ، ومثله قول الشاعر :ما هذه الصوتأي الصيحة ، وقال امرؤ القيس :برهرهة رؤدة رخصة كخرعوبة البانة المنفطروالمنفطر المنتفخ بالورق ، وهو أنعم ما يكون ، ذهب إلى القضيب وترك لفظ الخرعوبة . وسمعه يحتمل أن يكون سمعه من الوصي نفسه ، ويحتمل أن يكون سمعه ممن يثبت به ذلك عنده ، وذلك عدلان ، والضمير في إثمه عائد على التبديل ، أي إثم التبديل عائد على المبدل لا على الميت ، فإن الموصي خرج بالوصية عن اللوم وتوجهت على الوارث أو الولي . وقيل : إن هذا الموصي إذا غير الوصية أو لم يجزها على ما رسم له في الشرع فعليه الإثم .الثانية : في هذه الآية دليل على أن الدين إذا أوصى به الميت خرج به عن ذمته وحصل الولي مطلوبا به ، له الأجر في قضائه ، وعليه الوزر في تأخيره ، وقال القاضي أبو بكر بن العربي : وهذا إنما يصح إذا كان الميت لم يفرط في أدائه ، وأما إذا قدر عليه وتركه ثم وصى به فإنه لا يزيله عن ذمته تفريط الولي فيه .الثالثة : ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز ، مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه ، كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث ، قاله أبو عمر .الرابعة : قوله تعالى : إن الله سميع عليم صفتان لله تعالى لا يخفى معهما شيء من جنف الموصين وتبديل المعتدين .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فمن غيَّر ما أوصَى به الموصِي -من وصيته بالمعروف لوالديه أو أقربيه الذين لا يرثونه- بعد ما سمع الوصية، فإنما إثم التبديل على من بَدَّل وصيته.* * *فإن قال لنا قائل: وعلامَ عادت " الهاء " التي في قوله: " فمن بدّله "؟قيل: على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر. وذلك هو أمر الميت، وإيصاؤه إلى من أوصَى إليه، بما أوصَى به، لمن أوْصَى له.ومعنى الكلام: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ، فأوصوا لهم، فمن بدل ما أوصيتم به لهم بعد ما سَمعكم توصون لَهم, فإنما إثم ما فعل من ذلك عليه دونكم.وإنما قلنا إن " الهاء " في قوله: " فمن بدله " عائدة على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهرُ، لأن قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ من قول الله, وأنّ تبديل المبدِّل إنما يكون لوصية الموصِي. فأما أمرُ الله بالوصية فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدِّله، فيجوز أن تكون " الهاء " في قوله: " فمن بدله " عائده على " الوصية ".وأما " الهاء " في قوله: " بعد ما سمعه "، فعائدة على " الهاء " الأولى في قوله: " فمن بَدَّله ".وأما " الهاء " التي في قوله: " فإنما إثمه "، فإنها مكنيُّ" التبديل "، كأنه قال: فإنما إثم ما بدَّل من ذلك على الذين يبدلونه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:2681- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فمن بدَّله بَعد ما سمعه " قال، الوصية.2682- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.2683- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: " فمن بدَّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدِّلونه "، وقد وقعَ أجر الموصي على الله وبَرئ من إثمه, وإن كان أوصى في ضِرَارٍ لم تجز وصيته, كما قال الله: غَيْرَ مُضَارٍّ [سورة النساء: 12]2684- حدثنا الحسين بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " فمن بدَّله بعد ما سمعه "، قال: من بدّل الوصية بعد ما سمعها، فإثم ما بدَّل عليه.2685- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا: عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " فمن بدَّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه "، فمن بدَّل الوصية التي أوصى بها، وكانت بمعروف, فإنما إثمها على من بدَّلها. إنه قد ظلم.2686- حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد, عن قتادة: أن عطاء بن أبي رباح قال في قوله: " فمن بدَّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدّلونه "، قال: يُمضَى كما قال.2687- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم, عن الحسن: " فمن بدّله بعد ما سمعه "، قال: من بدل وصية بعد ما سمعها.2688- حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا يزيد بن إبراهيم, عن الحسن في هذه الآية: " فمن بدّله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدِّلونه "، قال: هذا في الوصية، من بدَّلها من بعد ما سمعها, فإنما إثمه على من بَدَّله.2689- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي, عن قتادة, عن عطاء وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهم قالوا: تُمضى الوصية لمن أوصَى له به = إلى هاهنا انتهى حديث ابن المثنى, وزاد ابن بشار في حديثه = قال قتادة: وقال عبد الله بن معمر: أعجبُ إليّ لو أوْصى لذوي قرابته, وما يعجبني أن أنزعه ممن أوصَى له به. قال قتادة: وأعجبه إليّ لمن أوصى له به, قال الله عز وجل: " فمن بدَّله بعدَ ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدّلونه ".* * *القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: " إن الله سميع " = لوصيتكم التي أمرتكم أن تُوصوا بها لآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم حين توصون بها, أتعدلون فيها على ما أذِنت لكم من فعل ذلك بالمعروف, أم تَحيفون فتميلون عن الحق وتجورون عن القصد؟ =" عليمٌ" بما تخفيه صدوركم من الميل إلى الحق، والعدل, أم الجور والحيْف.
﴿ فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ﴾