وإذا سألك -أيها النبي- عبادي عني فقل لهم: إني قريب منهم، أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم عنه، وليؤمنوا بي، لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم. وفي هذه الآية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده، القرب اللائق بجلاله.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
وسأل جماعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أقريب ربُّنا فنناجيه أم بعيد فنناديه: فنزل «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب» منهم بعلمي فأخبرهم بذلك «أجيب دعوة الداع إذا دعان» بإنالته ما سأل «فليستجيبوا لي» دعائي بالطاعة «وليؤمنوا» يداوموا على الإيمان «بي لعلهم يرشدون» يهتدون.
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذا جواب سؤال، سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله, أقريب ربنا فنناجيه, أم بعيد فنناديه؟ فنزل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ لأنه تعالى, الرقيب الشهيد, المطلع على السر وأخفى, يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, فهو قريب أيضا من داعيه, بالإجابة، ولهذا قال: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ والدعاء نوعان: دعاء عبادة, ودعاء مسألة. والقرب نوعان: قرب بعلمه من كل خلقه, وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق. فمن دعا ربه بقلب حاضر, ودعاء مشروع, ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء, كأكل الحرام ونحوه, فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء, وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية, والإيمان به, الموجب للاستجابة، فلهذا قال: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة, ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة. ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره, سبب لحصول العلم كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا
﴿ تفسير البغوي ﴾
قوله تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال يهود أهل المدينة : يا محمد كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام وإن غلظ كل سماء مثل ذلك فنزلت هذه الآية ، وقال الضحاك : سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله تعالى : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " وفيه إضمار كأنه قال فقل لهم إني قريب منهم بالعلم لا يخفى علي شيء كما قال " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " ( 16 - ق ) .أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الواحد عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم " .قوله تعالى : ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) قرأ أهل المدينة غير قالون وأبو عمرو بإثبات الياء فيهما في الوصل والباقون بحذفها وصلا ووقفا وكذلك اختلف القراء في إثبات الياءات المحذوفة من الخط وحذفها في التلاوة ويثبت يعقوب جميعها وصلا ووقفا واتفقوا على إثبات ما هو مثبت في الخط وصلا ووقفا ( فليستجيبوا ) قيل : الاستجابة بمعنى الإجابة أي فليجيبوا لي بالطاعة والإجابة في اللغة الطاعة وإعطاء ما سئل فالإجابة من الله تعالى العطاء ومن العبد الطاعة ، وقيل فليستجيبوا لي أي ليستدعوا مني الإجابة وحقيقته فليطيعوني ( وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) لكي يهتدوا فإن قيل فما وجه قوله تعالى : ( أجيب دعوة الداع ) ( ادعوني أستجب لكم ) وقد يدعى كثيرا فلا يجيب قلنا اختلفوا في معنى الآيتين قيل معنى الدعاء هاهنا الطاعة ومعنى الإجابة الثواب وقيل معنى الآيتين خاص وإن كان لفظهما عاما تقديرهما : ( أجيب دعوة الداع ) إن شئت كما قال : " فيكشف ما تدعون إليه إن شاء " ( 41 - الأنعام ) أو أجيب دعوة الداعي إن وافق القضاء أو أجيبه إن كانت الإجابة خيرا له أو أجيبه إن لم يسأل محالاأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح أن ربيعة بن زيد حدثه عن أبي إدريس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يستجيب الله لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا وما الاستعجال يا رسول الله قال : يقول قد دعوتك يا رب قد دعوتك يا رب فلا أراك تستجيب لي فيستحسر عند ذلك فيدع الدعاء " .وقيل هو عام ومعنى قوله ( أجيب ) أي أسمع ويقال ليس في الآية أكثر من إجابة الدعوة فأما إعطاء المنية فليس بمذكور فيها وقد يجيب السيد عبده والوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله فالإجابة كائنة لا محالة عند حصول الدعوة وقيل معنى الآية أنه لا يخيب دعاءه فإن قدر له ما سأل أعطاه وإن لم يقدره له ادخر له الثواب في الآخرة أو كف عنه به سوءا والدليل عليه ما أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما على الأرض رجل مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو كف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " وقيل إن الله تعالى يجيب دعاء المؤمن في الوقت ويؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته ويعجل إعطاء من لا يحبه لأنه يبغض صوته وقيل إن للدعاء آدابا وشرائط وهي أسباب الإجابة فمن استكملها كان من أهل الإجابة ومن أخل بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الإجابة
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين - سبحانه - أن العباد إذا حافظوا على فرائضه ، واستجابوا لأوامره ، وابتعدوا عن نواهيه ، فإنه - عز وجل - لا يرد لهم طلباً ولا يخيب لهم رجاء فقال :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ . . . )قال الإِمام البيضاوي في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها من آيات الصيام : واعلم أنه - تعالى - لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر عقبة بهذه الآية الدالة على أنه خبير بأحوالهم سميع لأقوالهم ، مجيب لدعائهم ، مجاز على أعماله تأكيداً له وحثاً عليه " .وروى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه بن جرير وابن أبي حاتم أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقريب ربنا فنناجيه - أي : ندعوه سرا - أم بعيد فنناديه؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية .ومنها ما رواه ابن مردويه - بسنده - عن الحسن قال : سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أين ربنا؟ فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .والمعنى : وإذا سألك عبادي يا محمد عن قربي وبعدي فقل لهم : إني قريب منهم بعلمي ورحمتي وقدرتي وإجابتي لسؤالهم . قال - تعالى - : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد ) وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيها الناس اربعوا على أنفسكم - أي أرفقوا بها - فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إنكم تدعون سميعاً بصيراً وهو معكم ، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " .فقوله - تعالى - : ( فَإِنِّي قَرِيبٌ ) تمثيل لكمال علمه - تعالى - بأفعال عباده وأقوالهم ، واطلاعه على سائر أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم إذ القرب المكاني محال على الله - تعالى - .وفي الآية الكريمة التفات عن خطاب المؤمنين كافة بأحكام الصيام ، إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم ويعلمهم ما يجب عليهم مراعاته في سائر عبادتهم من الإِخلاص والأدب والتوجه إلى الله وحده بالسؤال .ولم يصدر الجواب بقل أو فقل كما وقع في أجوبة مسائلهم الواردة في آيات أخرى ، نحو ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ) بل تولى - سبحانه - جوابهم بنفسه إشعاراً بفرط قربه منهم ، وحضوره مع كل سائل بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائلين من ذوي الحاجات .والمراد بالعباد الذين أضيفوا إلى ضمير الجلالة هم المؤمنون لأن الحديث عنهم ، ولأن سياق الآيات بيان أحكام الصوم وفضائله وهو خاص بالمؤمنين ، وقد أضيفوا إلى ضمير الجلالة لتشريفهم وتكريمهم .وقوله - تعالى - : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ ) تقرير للقرب وتحقيق له ، ووعد للداعي بالإِجابة متى صدر الدعاء من قلب سليم ، ونفس صافية ، وجوارح خاشعة ، ولقد ساق لنا القرآن في آيات كثيرة أمثلة لعباد الله الذين توجهوا إليه بالسؤال ، فأجاب الله سؤالهم ، ومن ذلك قوله - تعالى - :( وَنُوحاً إِذْ نادى مِن قَبْلُ فاستجبنا لَهُ ) وقوله - تعالى - ( وَزَكَرِيَّآ إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين . فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) وقوله - تعالى - : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ) وورد في الحديث ما يدل على أن العبد إذا دعا الله - تعالى - بما فيه خير ، لم يخب عند الله دعاؤه ، ولكن لا يلزم أن يعطيه - سبحانه - نفس ما طلبه ، لأنه هو الأعلم بما يصلح عباده . روى الإِمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يدعو الله - عز وجل - بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل إليه دعوته ، وإما أن يدخرها له في الأخرى ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " .وقوله - تعالى - ( فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) توجيه منه - سبحانه - إلى ما يجعل الدعاء مرجو القبول والإِجابة .والاستجابة : هي الإِجابة بعناية واستعداد ، والسين والتاء للمبالغة .والرشد : الاهتداء إلى الخير وحسن التصرف في الأمر من دين أو دنيا يقال : رشد ورشد يرشد ويرشد رشداً ، أي اهتدي .والمعنى : لقد وعدتكم يا عبادي بأن أجيب دعاءكم إذا دعوتموني ، وعليكم أنتم أن تستجيبوا لأمري ، وأن تقفوا عند حدودي ، وأن تثبتوا على إيمانكم بي ، لعلكم بذلك تصلون إلى ما فيه رشدكم وسعادتكم في الحياتين العاجلة والآجلة . وأمرهم - سبحانه - بالإِيمان بعد الأمر بالاستجابة ، لأنه أول مراتب الدعوة ، وأولى الطاعات بالاستجابة .قال الحافظ ابن كثير : وفي ذكره - تعالى - هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر ، كما روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر جمع أهله وولده ودعا . وروى ابن ماجة عن بعد الله بن عمرو قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد " وكان عبد الله يقول إذا أفطر : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي " وروي الإِمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإِمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم ، يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول : بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .هذا والحديث عن الدعاء وعن فضله وعن آدابه وشروطه وفوائده وجوامعه وغير ذلك مما يتعلق به قد بسطناه في غير هذا المكان فليرجع إليه من شاء . .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أخبرنا جرير ، عن عبدة بن أبي برزة السجستاني عن الصلب بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري ، عن أبيه ، عن جده ، أن أعرابيا قال : يا رسول الله ، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) .ورواه ابن مردويه ، وأبو الشيخ الأصبهاني ، من حديث محمد بن أبي حميد ، عن جرير ، به . وقال عبد الرزاق : أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ النبي صلى الله عليه وسلم ] : أين ربنا ؟ فأنزل الله عز وجل : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) الآية .وقال ابن جريج عن عطاء : أنه بلغه لما نزلت : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60 ] قال الناس : لو نعلم أي ساعة ندعو ؟ فنزلت : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفا ، ولا نعلو شرفا ، ولا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير . قال : فدنا منا فقال : " يا أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم ; فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا بصيرا ، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته . يا عبد الله بن قيس ، ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله " .أخرجاه في الصحيحين ، وبقية الجماعة من حديث أبي عثمان النهدي ، واسمه عبد الرحمن بن مل ، عنه ، بنحوه .وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا شعبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني " .وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن كريمة بنت الخشخاش المزنية ، قالت : حدثنا أبو هريرة : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله : أنا مع عبدي ما ذكرني ، وتحركت بي شفتاه " .قلت : وهذا كقوله تعالى : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) [ النحل : 128 ] ، وكقوله لموسى وهارون ، عليهما السلام : ( إنني معكما أسمع وأرى ) [ طه : 46 ] . والمراد من هذا : أنه تعالى لا يخيب دعاء داع ، ولا يشغله عنه شيء ، بل هو سميع الدعاء . وفيه ترغيب في الدعاء ، وأنه لا يضيع لديه تعالى ، كما قال الإمام أحمد :حدثنا يزيد ، حدثنا رجل أنه سمع أبا عثمان هو النهدي يحدث عن سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى ليستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرا فيردهما خائبتين " .قال يزيد : سموا لي هذا الرجل ، فقالوا : جعفر بن ميمون .وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه من حديث جعفر بن ميمون ، صاحب الأنماط ، به . وقال الترمذي : حسن غريب . ورواه بعضهم ، ولم يرفعه .وقال الشيخ الحافظ أبو الحجاج المزي ، رحمه الله ، في أطرافه : وتابعه أبو همام محمد بن الزبرقان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، به .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو عامر ، حدثنا علي بن دؤاد أبو المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " قالوا : إذا نكثر . قال : " الله أكثر " .وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير ، أن عبادة بن الصامت حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله ، عز وجل ، بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو كف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " .ورواه الترمذي ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، عن ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان به . وقال : حسن صحيح غريب من هذا الوجه .وقال الإمام مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي " .أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ، به . وهذا لفظ البخاري ، رحمه الله ، وأثابه الجنة .وقال مسلم أيضا : حدثني أبو الطاهر ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل " . قيل : يا رسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال : " يقول : قد دعوت ، وقد دعوت ، فلم أر يستجاب لي ، فيستحسر عند ذلك ، ويترك الدعاء " .وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا ابن هلال ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل " . قالوا : وكيف يستعجل ؟ قال : " يقول : قد دعوت ربي فلم يستجب لي " .وقال الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر : أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : ما من عبد مؤمن يدعو الله بدعوة فتذهب ، حتى تعجل له في الدنيا أو تدخر له في الآخرة ، إذا لم يعجل أو يقنط . قال عروة : قلت : يا أماه كيف عجلته وقنوطه ؟ قالت : يقول : سألت فلم أعط ، ودعوت فلم أجب .قال ابن قسيط : وسمعت سعيد بن المسيب يقول كقول عائشة سواء .وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا بكر بن عمرو ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " القلوب أوعية ، وبعضها أوعى من بعض ، فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة ، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل " .وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي بن نافع بن معد يكرب ببغداد ، حدثني أبي بن نافع ، حدثني أبي بن نافع بن معد يكرب ، قال : كنت أنا وعائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية : ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) قال : " يا رب ، مسألة عائشة " . فهبط جبريل فقال : الله يقرؤك السلام ، هذا عبدي الصالح بالنية الصادقة ، وقلبه نقي يقول : يا رب ، فأقول : لبيك . فأقضي حاجته .هذا حديث غريب من هذا الوجه .وروى ابن مردويه من حديث الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : حدثني جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أمرت بالدعاء ، وتوكلت بالإجابة ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك ، والملك لا شريك لك ، أشهد أنك فرد أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد ، وأشهد أن وعدك حق ، ولقاءك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنت تبعث من في القبور " .وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا الحسن بن يحيى الأرزي ومحمد بن يحيى القطعي قالا : حدثنا الحجاج بن منهال ، حدثنا صالح المري ، عن الحسن ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، واحدة لك وواحدة لي ، وواحدة فيما بيني وبينك ; فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا ، وأما التي لك فما عملت من شيء وفيتكه وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة " .وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء ، متخللة بين أحكام الصيام ، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة ، بل وعند كل فطر ، كما رواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده :حدثنا أبو محمد المليكي ، عن عمرو هو ابن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة " . فكان عبد الله بن عمرو إذ أفطر دعا أهله ، وولده ودعا .وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في سننه : حدثنا هشام بن عمار ، أخبرنا الوليد بن مسلم ، عن إسحاق بن عبيد الله المدني ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد " . قال عبد الله بن أبي مليكة : سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي .وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة ، وتفتح لها أبواب السماء ، ويقول : بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدونفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : وإذا سألك المعنى وإذا سألوك عن المعبود فأخبرهم أنه قريب يثيب على الطاعة ويجيب الداعي ، ويعلم ما يفعله العبد من صوم وصلاة وغير ذلك ، واختلف في سبب نزولها ، فقال مقاتل : إن عمر رضي الله عنه واقع امرأته بعد ما صلى العشاء فندم على ذلك وبكى ، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ورجع مغتما ، وكان ذلك قبل نزول الرخصة ، فنزلت هذه الآية : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ، وقيل : لما وجب عليهم في الابتداء ترك الأكل بعد النوم فأكل بعضهم ثم ندم ، فنزلت هذه الآية في قبول التوبة ونسخ ذلك الحكم ، على ما يأتي بيانه . وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قالت اليهود كيف يسمع ربنا دعاءنا ، وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء خمسمائة عام ، وغلظ كل سماء مثل ذلك ؟ فنزلت هذه الآية ، وقال الحسن : سببها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فنزلت ، وقال عطاء وقتادة : لما نزلت : وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قال قوم : في أي ساعة ندعوه ؟ فنزلت .الثانية : قوله تعالى : فإني قريب أي بالإجابة ، وقيل بالعلم ، وقيل : قريب من أوليائي بالإفضال والإنعام .الثالثة : قوله تعالى : أجيب دعوة الداع إذا دعان أي أقبل عبادة من عبدني ، فالدعاء بمعنى العبادة ، والإجابة بمعنى القبول . دليله ما رواه أبو داود عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الدعاء هو العبادة وقال ربكم ادعوني أستجب لكم فسمي الدعاء عبادة ، ومنه قوله تعالى : إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين أي دعائي ، فأمر تعالى بالدعاء وخص عليه وسماه عبادة ، ووعد بأن يستجيب لهم . روى ليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا الأنبياء كان الله إذا بعث نبيا قال ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني أستجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة ما جعل عليكم في الدين من حرج وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس، وكان خالد الربعي يقول : عجبت لهذه الأمة في ادعوني أستجب لكم أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة ، وليس بينهما شرط . قال له قائل : مثل ماذا ؟ قال مثل قوله : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات فها هنا شرط ، وقوله : وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق فليس فيه شرط العمل ، ومثل قوله : فادعوا الله مخلصين له الدين فها هنا شرط ، وقوله : ادعوني أستجب لكم ليس فيه شرط ، وكانت الأمم تفزع إلى أنبيائها في حوائجهم حتى تسأل الأنبياء لهم ذلك .فإن قيل : فما للداعي قد يدعو فلا يجاب ؟ فالجواب أن يعلم أن قوله الحق في الآيتين أجيب أستجب لا يقتضي الاستجابة مطلقا لكل داع على التفصيل ، ولا بكل مطلوب على التفصيل ، فقد قال ربنا تبارك وتعالى في آية أخرى : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين وكل مصر على كبيرة عالما بها أو جاهلا فهو معتد ، وقد أخبر أنه لا يحب المعتدين فكيف يستجيب له ، وأنواع الاعتداء كثيرة ، يأتي بيانها هنا وفي [ الأعراف ] إن شاء الله تعالى ، وقال بعض العلماء : أجيب إن شئت ، كما قال : فيكشف ما تدعون إليه إن شاء فيكون هذا من باب المطلق والمقيد ، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث فأعطي اثنتين ومنع واحدة ، على ما يأتي بيانه في ( الأنعام ) إن شاء الله تعالى . وقيل : إنما مقصود هذا الإخبار تعريف جميع المؤمنين أن هذا وصف ربهم سبحانه أن يجيب دعاء الداعين في الجملة ، وأنه قريب من العبد يسمع دعاءه ويعلم اضطراره فيجيبه بما شاء وكيف شاء ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الآية . وقد يجيب السيد عبده والوالد ولده ثم لا يعطيه رسوله ، فالإجابة كانت حاصلة لا محالة عند وجود الدعوة ; لأن أجيب وأستجب خبر لا ينسخ فيصير المخبر كذابا . يدل على هذا التأويل ما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من فتح له في الدعاء فتحت له أبواب الإجابة . وأوحى الله تعالى إلى داود : أن قل للظلمة من عبادي لا يدعوني فإني أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني وإني إذا أجبت الظلمة لعنتهم وقال قوم : إن الله يجيب كل الدعاء ، فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا ، وإما أن يكفر عنه ، وإما أن يدخر له في الآخرة ، لما رواه أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث ؛ إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخر له ، وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها . قالوا : إذن نكثر ؟ قال : لله أكثر . خرجه أبو عمر بن عبد البر ، وصححه أبو محمد عبد الحق ، وهو في الموطأ منقطع السند . قال أبو عمر : وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند لقول الله تعالى ادعوني أستجب لكم فهذا كله من الإجابة ، وقال ابن عباس : كل عبد دعا استجيب له ، فإن كان الذي يدعو به رزقا له في الدنيا أعطيه ، وإن لم يكن رزقا له في الدنيا ذخر له .قلت : وحديث أبي سعيد الخدري وإن كان إذنا بالإجابة في إحدى ثلاث فقد دلك على صحة ما تقدم من اجتناب الاعتداء المانع من الإجابة حيث قال فيه : ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم وزاد مسلم : ما لم يستعجل . رواه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل - قيل : يا رسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال - يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ، وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : يحتمل قوله يستجاب لأحدكم الإخبار عن وجوب وقوع الإجابة ، والإخبار عن جواز وقوعها ، فإذا كان بمعنى الإخبار عن الوجوب والوقوع فإن الإجابة تكون بمعنى الثلاثة الأشياء المتقدمة ، فإذا قال : قد دعوت فلم يستجب لي ، بطل وقوع أحد هذه الثلاثة الأشياء وعري الدعاء من جميعها ، وإن كان بمعنى جواز الإجابة فإن الإجابة حينئذ تكون بفعل ما دعا به خاصة ، ويمنع من ذلك قول الداعي : قد دعوت فلم يستجب لي ; لأن ذلك من باب القنوط وضعف اليقين والسخط .قلت : ويمنع من إجابة الدعاء أيضا أكل الحرام وما كان في معناه ، قال صلى الله عليه وسلم : الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك وهذا استفهام على جهة الاستبعاد من قبول دعاء من هذه صفته ، فإن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط في الداعي وفي الدعاء وفي الشيء المدعو به . فمن شرط الداعي أن يكون عالما بأن لا قادر على حاجته إلا الله ، وأن الوسائط في قبضته ومسخرة بتسخيره ، وأن يدعو بنية صادقة وحضور قلب ، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ، وأن يكون مجتنبا لأكل الحرام ، وألا يمل من الدعاء ، ومن شرط المدعو فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعا ، كما قال : ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب ، ويدخل في الرحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم ، وقال سهل بن عبد الله التستري : شروط الدعاء سبعة : أولها التضرع والخوف والرجاء والمداومة والخشوع والعموم وأكل الحلال ، وقال ابن عطاء : إن للدعاء أركانا وأجنحة وأسبابا وأوقاتا ، فإن وافق أركانه قوي ، وإن وافق أجنحته طار في السماء ، وإن وافق مواقيته فاز ، وإن وافق أسبابه أنجح . فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع ، وأجنحته الصدق ، ومواقيته الأسحار ، وأسبابه الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : شرائطه أربع : أولها حفظ القلب عند الوحدة ، وحفظ اللسان مع الخلق ، وحفظ العين عن النظر إلى ما لا يحل ، وحفظ البطن من الحرام ، وقد قيل : إن من شرط الدعاء أن يكون سليما من اللحن ، كما أنشد بعضهم :ينادي ربه باللحن ليث كذاك إذا دعاه فلا يجيبعظة : وقيل لإبراهيم بن أدهم : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ قال : لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه ، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته ، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به ، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها ، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها ، وعرفتم النار فلم تهربوا منها ، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه ، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا ، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس . قال علي رضي الله عنه لنوف البكالي : يا نوف ، إن الله أوحى إلى داود أن مر بني إسرائيل ألا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة ، وأبصار خاشعة ، وأيد نقية ، فإني لا أستجيب لأحد منهم ، ولا لأحد من خلقي له عنده مظلمة . يا نوف ، لا تكونن شاعرا ولا عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا عشارا ، فإن داود قام في ساعة من الليل فقال : إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها ، إلا أن يكون عريفا أو شرطيا أو جابيا أو عشارا ، أو صاحب عرطبة ، وهي الطنبور ، أو صاحب كوبة ، وهي الطبل . قال علماؤنا : ولا يقل الداعي : اللهم أعطني إن شئت ، اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، بل يعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة ، ويسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا أن يشاء . وأيضا فإن في قوله : إن شئت نوع من الاستغناء عن مغفرته وعطائه ورحمته ، كقول القائل : إن شئت أن تعطيني كذا فافعل ، لا يستعمل هذا إلا مع الغنى عنه ، وأما المضطر إليه فإنه يعزم في مسألته ويسأل سؤال فقير مضطر إلى ما سأله . وروى الأئمة واللفظ للبخاري عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ؛ يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له . وفي الموطأ : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت . قال علماؤنا : قوله فليعزم المسألة دليل على أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء من الإجابة ، ولا يقنط من رحمة الله ; لأنه يدعو كريما . قال سفيان بن عيينة : لا يمنعن أحدا من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن الله قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس ، قال : رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ، قال فإنك من المنظرين ، وللدعاء أوقات وأحوال يكون الغالب فيها الإجابة ، وذلك كالسحر ووقت الفطر ، وما بين الأذان والإقامة ، وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء ، وأوقات الاضطرار وحالة السفر والمرض ، وعند نزول المطر والصف في سبيل الله . كل هذا جاءت به الآثار ، ويأتي بيانها في مواضعها ، وروى شهر بن حوشب أن أم الدرداء قالت له : يا شهر ألا تجد القشعريرة ؟ قلت نعم . قالت : فادع الله فإن الدعاء مستجاب عند ذلك ، وقال جابر بن عبد الله : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح ثلاثا يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرفت السرور في وجهه . قال جابر : ما نزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة .الرابعة : قوله تعالى : فليستجيبوا لي قال أبو رجاء الخراساني : فليدعوا لي . وقال ابن عطية : المعنى فليطلبوا أن أجيبهم ، وهذا هو باب استفعل أي طلب الشيء إلا ما شذ مثل استغنى الله ، وقال مجاهد وغيره : المعنى فليجيبوا إلي فيما دعوتهم إليه من الإيمان ، أي الطاعة والعمل ويقال : أجاب واستجاب بمعنى ، ومنه قول الشاعر :فلم يستجبه عند ذاك مجيبأي لم يجبه . والسين زائدة واللام لام الأمر . وكذا وليؤمنوا وجزمت لام الأمر لأنها تجعل الفعل مستقبلا لا غير فأشبهت إن التي للشرط ، وقيل : لأنها لا تقع إلا على الفعل .والرشاد خلاف الغي ، وقد رشد يرشد رشدا ، ورشد ( بالكسر ) يرشد رشدا ، لغة فيه ، وأرشده الله . والمراشد : مقاصد الطرق ، والطريق الأرشد : نحو الأقصد ، وتقول : هو لرشدة . خلاف قولك : لزنية . وأم راشد : كنية للفأرة ، وبنو رشدان : بطن من العرب ، عن الجوهري ، وقال الهروي : الرشد والرشد والرشاد : الهدى والاستقامة ، ومنه قوله : لعلهم يرشدون .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: بذلك وإذا سَألك يا محمد عبادي عَني: أين أنا؟ فإني قريبٌ منهم أسمع دُعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم.* * *وقد اختلف فيما أنزلت فيه هذه الآية.فقال بعضهم: نزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أقريبٌ ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله: " وإذا سألك عبادي عَني فأني قريبٌ أجيبُ" الآية.2904- حدثنا بذلك ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبدة السجستاني، عن الصُّلب بن حكيم، عن أبيه، عن جده. (99) .&; 3-481 &;2905- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن الحسن قال: سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أين ربُّنا؟ فأنزل الله تعالى ذكره: " وإذا سألك عبادي عَني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان " الآية (100) .* * *&; 3-482 &;وقال آخرون: بل نزلت جوابًا لمسألة قومٍ سَألوا النبي صلى الله عليه وسلم: أيّ ساعة يدعون الله فيها؟* ذكر من قال ذلك:2906- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: لما نزلت: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [سورة غافر: 60] قالوا: في أي ساعة؟ قال: فنزلت: " وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب " إلى قوله: " لعلهم يَرُشدون ".2907- حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله: " أجيب دَعوَة الداع إذا دعان "، قالوا: لو علمنا أيَّ ساعة نَدْعو! فنزلت: " وإذا سَأَلكَ عِبَادي عَنّي فإني قريب " الآية.2908- حدثني القاسم. قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: زعم عطاء بن أبي رباح أنه بلغه: لما نزلت: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قال الناس: لو نعلم أي ساعة ندعو! فنزلت: " وإذا سألك عبادي عَني فإني قريب أجيب دَعوة الداع إذا دَعان فليستجيبوا لي وَليؤمنوا بي لعلهم يَرشدون ".2909- حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإذا سَألك عبادي عَني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دَعان "، قال: ليس من عَبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه الله، وإن لم يكن له رزقًا في الدنيا ذَخره له إلى يوم القيامة، ودفع عنه به مكروهًا.2910- حدثني المثنى قال، حدثنا الليث بن سعد عن ابن صالح، عمن حدثه: أنه بلغه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أعطى أحدٌ الدعاءَ &; 3-483 &; ومُنع الإجابة، لأن الله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .* * *ومعنى متأوِّلي هذا التأويل: وإذا سألك عبادي عني: أي ساعة يدعونني؟ فإني منهم قريب في كل وقت، أجيب دعوة الداع إذا دعان.* * *وقال آخرون: بل نزلت جوابًا لقول قوم قالوا - إذْ قالَ الله لهم: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ -: إلى أين ندعوه!* ذكر من قال ذلك:2911- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال مجاهد: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قالوا: إلى أين؟ فنزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [سورة البقرة: 115].* * *وقال آخرون: بل نزلت جوابًا لقوم قالوا: كيف ندعو؟* ذكر من قال ذلك:2912- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما أنزل الله ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قال رجال: كيف ندعو يا نبي الله؟ فأنزل الله: " وإذا سَألك عبادي عَنّي فإنّي قريبٌ" إلى قوله: " يرشدون ".* * *وأما قوله: " فليستجيبوا لي"، فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة. يقال منه: " استجبت له، واستجبته "، بمعنى أجبته، كما قال كعب بن سعد الغنويّ:وَدَاعٍ دَعَا يَامَنْ يُجِيبُ إلَى النَّدَىفَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيب (101)&; 3-484 &;يريد: فلم يجبه.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد وجماعةٌ غيره.2913- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني الحجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: " فليستجيبوا لي"، قال: فليطيعوا لي، قال: " الاستجابة "، الطاعة.2914- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال: سألت عبد الله بن المبارك عن قوله: " فليستجيبوا لي"، قال: طاعة الله.* * *وقال بعضهم: معنى " فليستجيبوا لي": فليدعوني*ذكر من قال ذلك:2915- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون، عن أبي رجاء الخراساني، قال " فليستجيبوا لي"، فليدعوني.* * *وأما قوله: " وليؤمنوا بي" فإنه يعني: وَليصدِّقوا. أي: وليؤمنوا بي، إذا همُ استجابوا لي بالطاعة، أني لهم من وَرَاء طاعتهم لي في الثواب عليها، وإجزالي الكرامةَ لهم عليها.* * *وأما الذي تأوَّل قوله: " فليستجيبوا لي"، أنه بمعنى: فليدعوني، فإنه كان يتأوّل قوله: " وليؤمنوا بي"، وليؤمنوا بي أني أستجيب لهم.* ذكر من قال ذلك:2916- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني منصور بن هارون، عن أبي رجاء الخراساني: " وليؤمنوا بي"، يقول: أني أستجيب لهم.* * *وأما قوله: " لعلهم يَرشُدُون " فإنه يعني: فليستجيبوا لي بالطاعة، وليؤمنوا بي &; 3-485 &; فيصدِّقوا على طاعتهم إياي بالثواب مني لهم، وليهتدوا بذلك من فعلهم فيرشدوا، كما:-2917- حدثني به المثني قال، حدثنا إسحاق، قال حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع في قوله: " لعلهم يَرشدون "، يقول: لعلهم يهتدون.* * *فإن قال لنا قائل: وما معنى هذا القول من الله تعالى ذكره؟ فأنت ترى كثيرًا من البشر يدعون الله فلا يجابُ لهم دُعاء، وقد قال: " أجيبُ دَعوة الداع إذا دَعان "؟قيل: إن لذلك وجهين من المعنى:أحدهما: أن يكون معنيًّا " بالدعوة "، العملُ بما نَدب الله إليه وأمر به. فيكون تأويل الكلام. وإذا سألك عبادي عَني فإنى قريبٌ ممن أطاعني وعَمل بما أمرته به، أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني. فيكون معنى " الدعاء ": مسألة العبد ربَّه وما وعد أولياءه على طاعتهم بعملهم بطاعته، ومعنى " الإجابة " من الله التي ضمنها له، الوفاءُ له بما وعد العاملين له بما أمرهم به، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: " إنّ الدعاء هو العبادة ".2918- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جويبر، عن الأعمش، عن ذر، عن يُسَيْع الحضرمي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الدعاءَ هُوَ العبادة. ثم قرأ: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [سورة غافر: 60] (102) .* * *&; 3-486 &; فأخبر صَلى الله عليه وسلم أن دعاء الله إنما هو عبادته ومسألته، بالعمل له والطاعة.وبنحو الذي قلنا في ذلك ذُكِر أن الحسن كان يقول:2919- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني منصور بن هارون، عن عبد الله بن المبارك، عن الربيع بن أنس، عن الحسن أنه قال فيها: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، قال: اعملوا وأبشروا، فإنه حقٌّ على الله أنَ يستجيب &; 3-487 &; للذين آمنوا وعَملوا الصالحات ويزيدُهم من فضله.* * *والوجه الآخر: أن يكون معناه: أجيب دعوة الداع إذا دَعان إن شئت. فيكون ذلك، وإن كان عامًّا مخرُجه في التلاوة، خاصًّا معناهُ.* * *---------------------------الهوامش :(99) الحديث : 2904- جرير : هو ابن عبد الحميد الضبي ، مضى في : 2028 ، 2346 . عبدة السجستاني : هو عبدة بن أبي برزة ، ترجمه ابن أبي حاتم 3/1/90 ، ولم يذكر فيه جرحًا . ولم أجد له ترجمة عند غيره ."السجستاني" : هذا هو الصحيح ، الثابت هنا ، وفي المصادر المعتمدة ، كما سيأتي . ووقع في بعض المراجع"السختياني" ، وهو خطأ مطبعي واضح .الصلب بن حكيم : نص الحافظ عبد الغني الأزدي المصري ، في كتاب المؤتلف والمختلف ، ص 79 ، على أنه"صلب" : "بالياء معجمة من تحتها وضم الصاد" . وترجم له فقال : "صلب بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده . روى حديثه محمد بن حميد ، عن جرير ، عن عبدة بن أبي برزة السجستاني" .وكذلك قال الذهبي في المشتبه ، ص : 316"وصلب بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده . يشتبه بالصلت بن حكيم" . وفي هامشه ، نقلا عن هامش إحدى مخطوطاته : "قال الخطيب : قيل إنه أخ لبهز بن حكيم ، ولا يصح ذلك . ويشتبه أيضًا بالصلت بن حكيم ، بضم الحاء . ويقال : الحكيم بن الصلت" وكذلك قال الحافظ بن حجر ، في"تبصير المنتبه" (مخطوط مصور عندي) ، ونص على أنه"قيل : إن الصلب بن حكيم ، المتقدم ذكره - أخو بهز بن حكيم ، ولا يصح" .ولكنه -مع هذا- ترجم له في لسان الميزان 3 : 195 ، في باب"الصلت" ، نقلا عن الميزان ، وذكر هذا الحديث له . وذكر رواية الذهبي إياه بإسناده إلى"محمد بن حميد" . ثم ذكر -نقلا عن الذهبي أيضًا- أنه رواه ابن أبي خثيمة ، في جزء فيمن روي عن أبيه عن جده ، وأنه"أخرجه العلائي في كتاب الوشي ، عن إبراهيم بن محمد . وقال : لم أر للصلت ذكرًا في كتب الرجال" . ثم عقب الحافظ على ذلك بقوله : "قلت : ذكره الدارقطني في المؤتلف ، وحكى الاختلاف : هل آخره بالموحدة ، أو بالمثناة؟ وقال إنه ابن حكيم بن معاوية بن حيدة ، فهو أخو بهز بن حكيم ، المحدث المشهور . وليس للصلت ولا لأبيه ولا لجده - ذكر في كتب الرواة ، إلا ما قدمت من ذكر ابن أبي خيثمة ، ولم يزد في التعريف به على ما ها هنا" .وهذا اضطراب شديد من الحافظ ابن حجر . ثم إن هذه التي نقلها عن ميزان الاعتدال للذهبي لم تذكر في النسخة المطبوعة منه . فالظاهر أنها سقطت من الأصول التي طبع عنها الميزان .والراجح عندي ما ذهب إليه الذهبي وابن حجر وابن أبي خيثمة وعبد الغني الأزدي : أنه"صلب" بضم الصاد وبالوحدة في آخره . وأنه مجهول هو وأبوه وجده . أما"حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري- : فإنه تابعي معروف ، وأبوه صحابي معروف . وقد روي عن حكيم بن معاوية بن حيدة - أبناؤه : بهز ، وسعيد ومهران . فلا صلة للذي يسمى"الصلب" هذا - بهؤلاء .وهذا الحديث ضعيف جدًا ، منهار الإسناد بكل حال .وقد وهم الحافظ ابن كثير ، حين ذكره 1 : 413-414 ، وجعله من حديث"معاوية بن حيدة القشيري" .وذكره السيوطي أيضًا 1 : 194 ، وأخطأ فيه خطأ آخر : فجعله"من طريق الصلت بن حكيم ، عن رجل من الأنصار ، عن أبيه ، عن جده"!! وقد تكون زيادة" عن رجل من الأنصار" خطأ من الناسخين ، لا من السيوطي .(100) الحديث : 2905- جعفر بن سليمان : هو الضبعي ، بضم الضاد المعجمة ، وفتح الباء الموحدة . وهو ثقة ، وثقه ابن معين وغيره .عوف : هو ابن أبي جميلة الأعرابي ، وهو ثقة معروف ، أخرج له أصحاب الكتب الستة . وقد مضت له رواية في : 645 . وهو معروف بالرواية عن الحسن البصري .وهذا الإسناد صحيح إلى الحسن . ولكن الحديث ضعيف ، لأنه مرسل ، لم يسنده الحسن عن أحد من الصحابة .وقد رواه أبو جعفر هنا ، من طريق عبد الرزاق ، ولم أجده في تفسير عبد الرزاق . فلعله في موضع آخر من كتبه .(101) سلف هذا البيت في1 : 320 ، ونسيت هناك أن أشير إليه أنه سيأتي في هذا الموضع من التفسير ، ثم في 4 : 144 (بولاق) .(102) الحديث: 2918- أما الحديث في ذاته - فإنه حديث صحيح . وأما هذا الإسناد بعينه ، فلا أدري كيف يستقيم ؟ مع ضعفه !فإن ابن حميد - شيخ الطبري- هو: محمد بن حميد الرازي، سبق توثيقه : 2028 ، 2253.ولكن من المحال أن يقول: "حدثنا جويبر" ، لأن ابن حميد مات سنة 248 ، وجويبر بن سعيد الأزدي مات قبل ذلك بنحو مائة سنة ، فقد ذكره البخاري في الصغير، ص: 176 ، فيمن مات بين سنتي: 140 - 150 . فلا بد أن يكون قد سقط بينها شيخ ، خطأ من الناسخين. ثم إن "جويبرا" هذا: ضعيف جدًا، كما بينا في: 284 .الأعمش: هو سليمان بن مهران، الإمام المعروف.ذر ، بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء : هو ابن عبد الله المرهبي ، بضم الميم وسكون الراء وكسر الهاء بعدها ياء موحدة. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.يسيع - بضم الياء الأولى وسكون الثانية بينهما سين مهملة مفتوحة: هو ابن معدان الحضرمي، في التهذيب ، والكبير 4/2/425 - 426 ، وابن أبي حاتم 4/2/313. ووقع هنا في المطبوعة"سبيع" ! وهو تصحيف.والحديث سيأتي في الطبري 24: 51 - 52 (بولاق) ، بستة أسانيد. ووقع اسم "ذر" هناك مصحفًا إلى "زر" ، بالزاي بدل الذال.وهو حديث صحيح . رواه أحمد في المسند 4: 271 (الحلبي) ، عن أبي معاوية، عن الأعمش، بهذا الإسناد . فليس فيه "جويبر" الضعيف المذكور هنا.ونقله ابن كثير 7: 309 ، عن ذلك الموضع من المسند، وقال: وهكذا رواه أصحاب السنن: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم ، وابن جرير - كلهم من حديث الأعمش، به. وقال الترمذي: حسن صحيح . ورواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير أيضًا ، من حديث شعبة، عن منصور الأعمش- كلاهما عن ذر، به ، ثم ذكر أنه رواه ابن حبان والحاكم أيضا.وهو عند الحاكم 1: 490 - 491 بأسانيد، ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبي.وذكره السيوطي 5: 355 ، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد، والبخاري في الأدب المفرد، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وأبي نعيم في الحلية ، والبيهقي في شعب الإيمان.
﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ﴾