فإن انحرفتم عن طريق الحق، من بعد ما جاءتكم الحجج الواضحة من القرآن والسنة، فاعلموا أن الله عزيز في ملكه لا يفوته شيء، حكيم في أمره ونهيه، يضع كل شيء في موضعه المناسب له.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فإن زللتم» ملتم عن الدخول في جميعه «من بعد ما جاءتكم البينات» الحجج الظاهرة على أنه حق «فاعلموا أن الله عزيز» لا يعجزه شيء عن انتقامه منكم «حكيم» في صنعه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
ولما كان العبد لا بد أن يقع منه خلل وزلل, قال تعالى: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ أي: على علم ويقين فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وفيه من الوعيد الشديد, والتخويف, ما يوجب ترك الزلل, فإن العزيز القاهر الحكيم, إذا عصاه العاصي, قهره بقوته, وعذبه بمقتضى حكمته فإن من حكمته, تعذيب العصاة والجناة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فإن زللتم ) أي ضللتم وقيل : ملتم يقال : زلت قدمه تزل زلا وزللا إذا دحضت قال ابن عباس : يعني الشرك قال قتادة : قد علم الله أنه سيزل زالون من الناس فتقدم في ذلك وأوعد فيه ليكون له به الحجة عليهم ( من بعد ما جاءتكم البينات ) أي الدلالات الواضحات ( فاعلموا أن الله عزيز ) في نقمته ) ( حكيم ) في أمره فالعزيز : هو الغالب الذي لا يفوته شيء والحكيم : ذو الإصابة في الأمر .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ تفريع على النهى، وترهيب من العقاب الذي سيصيب المتبعين للشيطان.قال القرطبي: وأصل الزلل في القدم، ثم استعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك.يقال: زل يزل زلا وزللا وزلولا، أى: دحضت قدمه.والبينات: جمع بينة، وهي الأدلة والمعجزات، ومجيئها: ظهورها.والمعنى: فإن تنحيتم عن طريق الحق، وعدلتم عنه إلى الباطل، من بعد أن ظهرت لكم الأدلة المفرقة بين الصواب والخطأ، والتي تدعوكم إلى اتباع طريق الحق، فاعلموا أن الله عَزِيزٌ لا يقهر ولا يعجزه الانتقام ممن زل حَكِيمٌ لا يترك ما تقتضيه الحكمة وإنما يضع الأمور في مواضعها.وجيء في الشرط بإن، لندرة حصول الزلل من المؤمنين، إذ الشأن فيهم ذلك.وقوله: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ جواب الشرط.وقوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ قطع لعذرهم حتى لا يقولوا يوم الحساب إننا زللنا لأننا لا نعرف الحق من الباطل. وفي الآية دليل على أن عقوبة العالم بالذنب أعظم من عقوبة الجاهل به- كما قال القرطبي-.وقال الفخر الرازي ما ملخصه: «وقوله: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ نهاية في الوعيد،لأنه يجمع من ضروب الخوف ما لا يجمعه الوعيد بذكر العقاب. وربما قال الوالد لولده: إن عصيتني فأنت عارف بي وأنت تعلم قدرتي عليك وشدة سطوتي. فيكون هذا الكلام في الزجر أبلغ من ذكر الضرب وغيره. فإن قيل: أفهذه الآية مشتملة على الوعد كما أنها مشتملة على الوعيد؟ قلنا: نعم من حيث أتبعه بقوله: حَكِيمٌ فإن اللائق بالحكمة أن يميز بين المحسن والمسيء، فكما يحسن من الحكيم إيصال العذاب إلى المسيء فكذلك يحسن منه إيصال الثواب إلى المحسن، بل هذا أليق بالحكمة وأقرب للرحمة» .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات ) أي : عدلتم عن الحق بعد ما قامت عليكم الحجج ، فاعلموا أن الله عزيز [ أي ] في انتقامه ، لا يفوته هارب ، ولا يغلبه غالب . حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه ; ولهذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس : عزيز في نقمته ، حكيم في أمره . وقال محمد بن إسحاق : العزيز في نصره ممن كفر به إذا شاء ، الحكيم في عذره وحجته إلى عباده .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيمفإن زللتم أي تنحيتم عن طريق الاستقامة . وأصل الزلل في القدم ، ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك ، يقال : زل يزل زلا وزللا وزلولا ، أي دحضت قدمه . وقرأ أبو السمال العدوي " زللتم " بكسر اللام ، وهما لغتان . وأصل الحرف من الزلق ، والمعنى ضللتم وعجتم عن الحق .من بعد ما جاءتكم البينات أي المعجزات وآيات القرآن ، إن كان الخطاب للمؤمنين ، فإن كان الخطاب لأهل الكتابين فالبينات ما ورد في شرعهم من الإعلام بمحمد صلى الله عليه وسلم والتعريف به . وفي الآية دليل على أن عقوبة العالم بالذنب أعظم من عقوبة الجاهل به ، ومن لم تبلغه دعوة الإسلام لا يكون كافرا بترك الشرائع . وحكى النقاش أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن ، فأقرأه الذي كان يعلمه " فاعلموا أن الله غفور رحيم " فقال كعب : إني لأستنكر أن يكون هكذا ، ومر بهما رجل فقال كعب : كيف تقرأ هذه الآية ؟ فقال الرجل : فاعلموا أن الله عزيز حكيم فقال كعب : هكذا ينبغي ؛ " عزيز " لا يمتنع عليه ما يريده ، " حكيم " فيما يفعله .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن أخطأتم الحق، (70)فضللتم عنه، وخالفتم الإسلام وشرائعه، من بعد ما جاءتكم حُجَجي وبيِّنات هداي، واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون = فاعلموا أن الله ذو عزة، لا يمنعه من الانتقام منكم مانع، ولا يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره ومعصيتكم إياه دافع =" حكيم " فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه، بعد إقامته الحجة عليكم، وفي غيره من أموره.* * *وقد قال عدد من أهل التأويل إن " البينات " هي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. (71)وذلك قريب من الذي قلنا في تأويل ذلك، لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم والقرآن، من حجج الله على الذين خوطبوا بهاتين الآيتين. غير أن الذي قلناه في تأويل ذلك أولى بالحق، لأن الله جل ثناؤه، قد احتج على من خالف الإسلام من أحبار أهل الكتاب بما عهد إليهم في التوراة والإنجيل، وتقدَّم إليه على ألسن أنبيائهم بالوَصاةِ به، فذلك وغيرُه من حجج الله تبارك وتعالى عليهم مع ما لزمهم من الحجج بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن. فلذلك اخترنا ما اخترنا من التأويل في ذلك.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* * ** ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله: " فإن زللتم ": (72)4027 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: " فإن زللتم "، يقول: فإن ضللتم.4028 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " فإن زللتم " قال: الزلل: الشرك.* * *ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله: " من بعد ما جاءتكم البينات ": (73)4029 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " من بعد ما جاءتكم البينات "، يقول: من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم.4030 - وحدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج: " فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات "، قال: الإسلام والقرآن.* * *4031 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " فاعلموا أن الله عزيز حكيم " ، يقول: عزيز في نقمته، حكيم في أمره. (74)-----------------الهوامش :(70) انظر معنى"زل" فيما سلف 1 : 524- 525 .(71) انظر ما سلف في تفسير"البينات" 2 : 318 ، 354/ ثم 3 : 249- 151 .(72) انظر معنى"زل" فيما سلف 1 : 524- 525 .(73) انظر ما سلف في تفسير"البينات" 2 : 318 ، 354/ ثم 3 : 249- 251 .(74) انظر معنى"عزيز" و"حكيم" في فهرس اللغة .
﴿ فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ﴾