وكيف يحلُّ لكم أن تأخذوا ما أعطيتموهن من مهر، وقد استمتع كل منكما بالآخر بالجماع، وأخَذْنَ منكم ميثاقًا غليظًا من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان؟
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وكيف تأخذونه» أي بأي وجه «وقد أفضى» وصل «بعضكم إلى بعض» بالجماع المقرر للمهر «وأخذن منكم ميثاقا» عهدا «غليظا» شديدا وهو ما أمر الله به من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان.
﴿ تفسير السعدي ﴾
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا وبيان ذلك: أن الزوجة قبل عقد النكاح محرمة على الزوج ولم ترض بحلها له إلا بذلك المهر الذي يدفعه لها، فإذا دخل بها وأفضى إليها وباشرها المباشرة التي كانت حراما قبل ذلك، والتي لم ترض ببذلها إلا بذلك العوض، فإنه قد استوفى المعوض فثبت عليه العوض. فكيف يستوفي المعوض ثم بعد ذلك يرجع على العوض؟ هذا من أعظم الظلم والجور، وكذلك أخذ الله على الأزواج ميثاقا غليظا بالعقد، والقيام بحقوقها.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وكيف تأخذونه ) ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( 21 ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ( 22 ) )( وكيف تأخذونه ) على طريق الاستعظام ، ( وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) أراد به المجامعة ، ولكن الله حيي يكني ، وأصل الإفضاء : الوصول إلى الشيء من غير واسطة .( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) قال الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة : هو قول الولي عند العقد : زوجتكها على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وقال الشعبي وعكرمة : هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله تعالى واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى " .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم كرر- سبحانه- توبيخه لمن يحاول أخذ شيء من صداق زوجته التي خالطته في حياته مدة طويلة فقال: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً.وأصل أفضى- كما يقول الفخر الرازي- من الفضاء الذي هو السعة يقال: فضا يفضو فضوا وفضاء إذا اتسع. ويقال: أفضى فلان إلى فلان أى: وصل إليه وأصله أنه صار في فرجته وفضائه.والمراد بالإفضاء هنا: الوصول والمخالطة: لأن الوصول إلى الشيء قطع للفضاء الذي بين المتواصلين.والاستفهام في قوله وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ ... للتعجب من حال من يأخذ شيئا مما أعطاه لزوجته بعد إنكار ذات الأخذ.والمراد بالميثاق الغليظ في قوله «وأخذن منكم ميثاقا غليظا» هو ما أخذه الله للنساء على الرجال من حسن المعاشرة أو المفارقة بإحسان كما في قوله- تعالى-: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. وليس أخذ شيء مما أعطاه الرجال للنساء من التسريح بإحسان، بل يكون من التسريح الذي صاحبه الظلم والإساءة.والمراد بالميثاق الغليظ الذي أخذ: كلمة النكاح المعقودة على الصداق، والتي بها تستحل فروج النساء، ففي صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع:«استوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» .والمعنى: بأى وجه من الوجوه تستحلون يا معشر الرجال ان تأخذوا شيئا من الصداق الذي أعطيتموه لنسائكم عند مفارقتهن والحال أنكم قد اختلط بعضكم ببعض، وصار كل واحد منكم لباسا لصاحبه، وأخذن منكم عهدا وثيقا مؤكدا مزيد تأكيد لا يحل لكم أن تنقضوه أو تخالفوه!!؟فأنت ترى أن الله- تعالى- قد منع الرجال من أخذ شيء من الصداق الذي أعطوه لنسائهم لسببين:أحدهما: الإفضاء وخلوص كل زوج لنفس صاحبه حتى صارا كأنهما نفس واحدة.وثانيهما: الميثاق الغليظ الذي أخذ على الرجال بأن يعاملوا النساء معاملة كريمة.والضمير في قوله وَأَخَذْنَ للنساء. والآخذ في الحقيقة إنما هو الله- تعالى- إلا أنه سبحانه- نسبه إليهن للمبالغة في المحافظة على حقوقهن، حتى جعلهن كأنهن الآخذات له.قال بعضهم: وهذا الإسناد مجاز عقلي، لأن الآخذ للعهد هو الله. أى: وقد أخذ الله عليكم العهد لأجلهن وبسببهن. فهو مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب» .ووصف- سبحانه- الميثاق بالغلظة لقوته وشدته. فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة.فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟! هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات الكريمة ما يأتى:1- تكريم الإسلام للمرأة، فقد كانت في الجاهلية مهضومة الحق، يعتدى عليها بأنواع من الاعتداء، فرفعها الله- تعالى- بما شرعه من تعاليم إسلامية من تلك الهوة التي كانت فيها، وقرر لها حقوقها، ونهى عن الاعتداء عليها.ومن مظاهر ذلك أنه حرم أن تكون موروثة كما يورث المال. وكذلك حرم عضلها وأخذ شيء من صداقها إلا إذا أتت بفاحشة مبينة. وأمر الرجال بأن يعاشروا النساء بالمعروف، وأن يصبروا على أخطائهن رحمة بهن.2- جواز الإصداق بالمال الكثير: لأن الله- تعالى- قال: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً.والقنطار: المال الكثير الذي هو أقصى ما يتصور من مهور.قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى- وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً دليل على جواز المغالاة في المهور، لأن الله- تعالى- لا يمثل إلا بمباح.وخطب عمر- رضى الله عنه- فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا من بناته فوق اثنتي عشرة أوقية. فقامت إليه امرأة فقالت:يا عمر. يعطينا الله وتحرمنا!! أليس الله تعالى- يقول: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً؟ فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر..وفي رواية أنه أطرق ثم قال: امرأة أصابت ورجل أخطأ وترك الإنكار.ثم قال القرطبي: وقال قوم: لا تعطى الآية جواز المغالاة في المهور، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة: كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد..ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن أبى حدرد- وقد جاءه يستعين في مهره فسأله عنه فقال: مائتين، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة» أى من ذلك المكان الذي به حجارة نخرة سود- فاستنتج بعض الناس من هذا منع المغالاة في المهور» .والذي نراه ان الآية الكريمة وإن كانت تفيد جواز الإصداق بالمال الجزيل، إلا ان الأفضل عدم المغالاة في ذلك، مع مراعاة أحوال الناس من حيث الغنى والفقر وغيرهما.ولقد ورد ما يفيد الندب إلى التيسير في المهور. فقد أخرج أبو داود والحاكم من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خير الصداق أيسره» .3- أن الرجل إذا أراد فراق امرأته. فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا مادام الفراق بسببه ومن جانبه: كما أنه لا ينبغي له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاه إياها إذا كان الفراق بسببها ومن جانبها.4- اتفق العلماء على أن المهر يستقر بالوطء. واختلفوا في استقراره بالخلوة المجردة.قال القرطبي والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. قالوا: إذا خلا بها خلوة صحيحة يجب كمال المهر والعدة. دخل بها أو لم يدخل بها. لما رواه الدارقطني عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق» . وقال مالك: إذا طال مكثه معها السنة ونحوها. واتفقا على ألا مسيس. وطلبت المهر كله كان لها» .وبعد أن نهى- سبحانه- عن ظلم المرأة في حال الزوجية. وعن ظلمها بعد وفاة زوجها.وعن ظلمها في حالة فراقها. وأمر بمعاشرتها بالمعروف بعد كل ذلك بين- سبحانه- من لا يحل الزواج بهن من النساء ومن يحل الزواج بهن حتى تبقى للأسرة قوتها ومودتها فقال- تعالى-:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
ولهذا قال [ الله ] منكرا : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) أي : وكيف تأخذون الصداق من المرأة وقد أفضيت إليها وأفضت إليك .قال ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، وغير واحد : يعني بذلك الجماع .وقد ثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين بعد فراغهما من تلاعنهما : " الله يعلم أن أحدكما كاذب . فهل منكما تائب " ثلاثا . فقال الرجل : يا رسول الله ، مالي - يعني : ما أصدقها - قال : " لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها .وفي سنن أبي داود وغيره عن بصرة بن أكتم أنه تزوج امرأة بكرا في خدرها ، فإذا هي حامل من الزنا ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له . فقضى لها بالصداق وفرق بينهما ، وأمر بجلدها ، وقال : " الولد عبد لك " .فالصداق في مقابلة البضع ، ولهذا قال تعالى : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض )وقوله : ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) روي عن ابن عباس ومجاهد ، وسعيد بن جبير : أن المراد بذلك العقد .وقال سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عباس في قوله : ( وأخذن منكم ميثاقا [ غليظا ] ) قال : قوله : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .قال ابن أبي حاتم : وروي عن عكرمة ، ومجاهد ، وأبي العالية ، والحسن ، وقتادة ، ويحيى بن أبي كثير ، والضحاك والسدي - نحو ذلك .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس في الآية هو قوله : أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، فإن " كلمة الله " هي التشهد في الخطبة . قال : وكان فيما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به قال له : جعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي . رواه ابن أبي حاتم .وفي صحيح مسلم ، عن جابر في خطبة حجة الوداع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيها : " واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وكيف تأخذونه الآية تعليل لمنع الأخذ مع الخلوة . وقال بعضهم : الإفضاء إذا كان معها في لحاف واحد جامع أو لم يجامع ؛ حكاه الهروي وهو قول الكلبي . وقال الفراء : الإفضاء أن يخلو الرجل والمرأة وأن يجامعها . وقال ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم : الإفضاء في هذه الآية الجماع . قال ابن عباس : ولكن الله كريم يكني .وأصل الإفضاء في اللغة المخالطة ؛ ويقال للشيء المختلط : فضا . قال الشاعر :فقلت لها يا عمتي لك ناقتي وتمر فضا في عيبتي وزبيبويقال : القوم فوضى فضا ، أي مختلطون لا أمير عليهم . وعلى أن معنى أفضى خلا وإن لم يكن جامع ، هل يتقرر المهر بوجود الخلوة أم لا ؟ اختلف علماؤنا في ذلك على أربعة أقوال : يستقر بمجرد الخلوة . لا يستقر إلا بالوطء . يستقر بالخلوة في بيت الإهداء . التفرقة بين بيته وبيتها . والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، قالوا : إذا خلا بها خلوة صحيحة يجب كمال المهر والعدة دخل بها أو لم يدخل بها ؛ لما رواه الدارقطني عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق . وقال عمر : إذا أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق وعليها العدة ولها الميراث . وعن علي : إذا أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق . وقال مالك : إذا طال مكثه معها مثل السنة ونحوها ، واتفقا على ألا مسيس وطلبت المهر كله كان لها . قال الشافعي : لا عدة عليها ولها نصف المهر . وقد مضى في " البقرة " .السادسة : قوله تعالى : وأخذن منكم ميثاقا غليظا فيه ثلاثة أقوال . قيل : هو قوله عليه السلام : فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله . قاله عكرمة والربيع .الثاني : قوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قاله الحسن وابن سيرين وقتادة والضحاك والسدي .الثالث : عقدة النكاح قول الرجل : نكحت وملكت عقدة النكاح ؛ قاله مجاهد وابن زيد . وقال قوم : الميثاق الغليظ الولد . والله أعلم .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " وكيف تأخذونه "، وعلى أي وجه تأخذون من نسائكم ما آتيتموهن من صدقاتهن، إذا أردتم طلاقهن واستبدال غيرهن بهن أزواجًا =" وقد أفضى بعضكم إلى بعض "، فتباشرتم وتلامستم.* * *وهذا كلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام، فإنه في معنى النكير والتغليظ، كما يقول الرجل لآخر: " كيف تفعل كذا وكذا، وأنا غير راضٍ به؟"، على معنى التهديد والوعيد. (5)* * *وأما " الإفضاء " إلى الشيء، فإنه الوصول إليه بالمباشرة له، كما قال الشاعر: (6)[بَلِينَ] بِلًى أَفْضَى إلَى [كُلِّ] كُتْبَةٍبَدَا سَيْرُهَا مِنْ بَاطِنٍ بَعْدَ ظَاهِرِ (7)يعني بذلك أن الفساد والبلى وصل إلى الخُرَز. والذي عُني به " الإفضاء " في هذا الموضع، الجماعُ في الفرج.* * *فتأويل الكلام إذ كان ذلك معناه: وكيف تأخذون ما آتيتموهن، وقد أفضى بعضكم إلى بعض بالجماع.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:8914 - حدثني عبد الحميد بن بيان القَنّاد قال، حدثنا إسحاق، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عباس قال: الإفضاء المباشرة، ولكنّ الله كريم يَكْني عما يشاء.8915 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس قال: الإفضاء الجماع، ولكن الله يَكني.8916 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس قال: الإفضاء هو الجماع.8917 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وقد أفضى بعضكم إلى بعض "، قال: مجامعة النساء.8918 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.8919 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض "، يعني المجامعة.* * *القول في تأويل قوله : وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)قال أبو جعفر: أيْ: ما وثَّقتم به لهنَّ على أنفسكم، (8) من عهد وإقرار منكم بما أقررتم به على أنفسكم، من إمساكهن بمعروف، أو تسريحهنّ بإحسان.* * *وكان في عقد المسلمين النكاحَ قديمًا فيما بلغنا - أن يقال لناكح: "آلله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرِّحن بإحسان "!8920 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا ". والميثاق الغليظ الذي أخذه للنساء على الرجال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقد كان في عقد المسلمين عند إنكاحهم: "آلله عليك لتمسكنَّ بمعروف أو لتسرحن بإحسان ". (9)* * *واختلف أهل التأويل في" الميثاق " الذي عنى الله جل ثناؤه بقوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا ".فقال بعضهم: هو إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.*ذكر من قال ذلك:8921 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.8922 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك مثله.8923 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: هو ما أخذ الله تبارك وتعالى للنساء على الرجال، فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ . قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عَقد النكاح.8924 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، فهو أن ينكح المرأة فيقول وليها: أنكحناكَها بأمانة الله، على أن تمسكها بالمعروف أو تسرِّحها بإحسان.8925 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: " الميثاق الغليظ " الذي أخذه الله للنساء: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وكان في عُقْدة المسلمين عند نكاحهن: " أيْمُ الله عليك، لتمسكن بمعروف ولتسرحَنّ بإحسان ".8926 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن ومحمد بن سيرين في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.* * *وقال آخرون: هو كلمة النكاح التي استحلَّ بها الفرجَ.*ذكر من قال ذلك:8927 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: كلمة النكاح التي استحلَّ بها فروجهن.8928 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد مثله.8929 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم المكي، عن مجاهد في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: قوله: " نكحتُ". (10)8930 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن محمد بن كعب القرظي: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: هو قولهم: " قد ملكتَ النكاح ".8931 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن سالم الأفطس، عن مجاهد: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: كلمة النكاح.8932 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: الميثاق النكاح.8933 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثني سالم الأفطس، عن مجاهد: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: كلمة النكاح، قوله: " نكحتُ".* * *وقال آخرون: بل عنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ". (11)*ذكر من قال ذلك:8934 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر وعكرمة: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قالا أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.8935 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، والميثاق الغليظ: أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك، قولُ من قال: الميثاق الذي عُني به في هذه الآية: هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عُقْدة النكاح من عهدٍ على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقرَّ به الرجل. لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجالَ في نسائهم.* * *وقد بينا معنى " الميثاق " فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (12)* * *واختلف في حكم هذه الآية، أمحكمٌ أم منسوخ؟فقال بعضهم: محكم، وغير جائز للرجل أخذُ شيء مما آتاها، إذا أراد طلاقها، إلا أن تكون هي المريدةَ الطلاقَ.* * *وقال آخرون: هي محكمة، غير جائز له أخذ شيء مما آتاها منها بحال، كانت هي المريدةَ للطلاق أو هو. وممن حُكي عنه هذا القول، بكر بن عبد الله بن المزني.8936 - حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء. قال: سألت بكرًا عن المختلعة، أيأخذ منها شيئًا؟ قال: لا " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا ". (13)* * *قال آخرون: بل هي منسوخة، نسخها قوله: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [سورة البقرة: 229].*ذكر من قال ذلك:8937 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ إلى قوله: " وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا "، قال: ثم رخص بعدُ فقال: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [سورة البقرة: 229]. قال: فنسخت هذه تلك.* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، قولُ من قال: " إنها محكمة غير منسوخة "، وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها، إذا أراد طلاقها من غير نشوز كان منها، ولا ريبة أتت بها.وذلك أن الناسخ من الأحكام، ما نَفَى خلافه من الأحكام، على ما قد بيَّنا في سائر كتبنا. (14) وليس في قوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ، نَفْي حكمِ قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [سورة البقرة: 229]. لأن الذي حرَّم الله على الرجل بقوله: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ، أخذُ ما آتاها منها إذا كان هو المريدَ طلاقَها. وأما الذي أباح له أخذَه منها بقوله: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ، فهو إذا كانت هي المريدةَ طلاقَه وهو له كاره، ببعض المعاني التي قد ذكرنا في غير هذا الموضع. (15) وليس في حكم إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى.وإذ كان ذلك كذلك، لم يجز أن يُحكم لإحداهما بأنها ناسخة، وللأخرى بأنها منسوخة، إلا بحجة يجبُ التسليم لها.وأما ما قاله بكر بن عبد الله المزني (16) =: من أنه ليس لزوج المختلعة أخذُ ما أعطته على فراقه إياها، إذا كانت هي الطالبةَ الفرقةَ، وهو الكاره = فليس بصواب، لصحة الخبَرِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أمرَ ثابت بن قيس بن شماس بأخذ ما كان ساق إلى زوجته وفراقِها إذ طلبت فراقه، (17) وكان النشوز من قِبَلها. (18)----------------الهوامش :(5) في المطبوعة: "التهديد" ، وأثبت ما في المخطوطة.(6) لم أعرف قائله.(7) كان في المخطوطة والمطبوعة:بِلًى أَفْضَى إِلَى كتْبَةٍبَدَا سَيرُها مِنْ بَاطِنٍ بَعد ظاهِربياض في الأصل بين الكلمات ، وقد زدت ما بين الأقواس اجتهادًا واستظهارًا ، حتى يستقيم الشعر. و"الكتبة" (بضم فسكون) ، هي الخرزة المضمومة التي ضم السير كلا وجهيها ، من المزادة والسقاء والقربة. يقال: "كتب القربة": خرزها بسيرين. وهذا بيت يصف مزادًا أو قربًا ، قد بليت خرزها بلى شديدًا فقطر الماء منها ، فلم تعد صالحة لحمل الماء.(8) في المخطوطة والمطبوعة: "ما وثقت به لهن على أنفسكم" ، واختلاف الضمائر هنا خطأ ، وصوابه ما أثبت: "وثقتم". وانظر تفسير"الميثاق" فيما سلف 1: 414 / 2: 156 ، 228 ، 356 / 6: 550.(9) في المطبوعة: "وقد كان في عهد المسلمين" ، وأثبت ما في المخطوطة.(10) الأثر: 8929 -"أبو هاشم المكي" ، هو: إسماعيل بن كثير ، صاحب مجاهد. قال ابن سعد: "ثقة كثير الحديث". روى عنه سفيان الثوري ، وابن جريج ، ومسعر بن كدام ، وغيرهم. مترجم في التهذيب.(11) انظر الأثرين السالفين رقم: 8905 ، 8906.(12) انظر ما سلف 1: 414 / 2: 156 ، 157 ، 288 / 6: 550.(13) الأثر: 8936 - مضى هذا الأثر برقم: 4877 ، وكان فيه هنا ، كما كان هناك"عقبة بن أبي المهنا" ، فانظر التعليق عليه هناك ، والمراجع مذكورة فيه ، وقد زاد أبو جعفر هناك ، إسنادًا آخر ، عن عقبة بن أبي الصهباء ، عن بكر بن عبد الله المزني ، لهذا الأثر ، وهذا أحد الدلائل على اختصار أبي جعفر لتفسيره هذا.(14) انظر ما سلف ، ما قاله في كتابه هذا في"النسخ" فيما سلف 3: 385 ، 635 / 4: 582 / 6: 54 ، 118.(15) انظر ما سلف 4: 549 - 585 ، وانظر كلامه في الناسخ والمنسوخ من الآيتين في ص: 579 -583 ، من الجزء نفسه.(16) انظر رد أبي جعفر مقاله بكر بن عبد الله المزني فيما سلف 4: 581 ، 582 ، وقال هناك: إنه"قول لا معنى له ، فنتشاغل بالإبانة عن خطئه".(17) في المخطوطة والمطبوعة: "إن طلبت فراقه" ، والصواب"إذ" كما أثبته.(18) انظر الأحاديث والآثار فيما سلف رقم: 4807 -4811 ، والتعليق عليها ، وهو خبر ثابت بن قيس بن شماس.
﴿ وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ﴾