وعُرِضوا جميعًا على ربك مصطَفِّين لا يُحجب منهم أحد، لقد بعثناكم، وجئتم إلينا فرادى لا مال معكم ولا ولد، كما خلقناكم أول مرة، بل ظننتم أن لن نجعل لكم موعدًا نبعثكم فيه، ونجازيكم على أعمالكم.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«وعرضوا على ربك صفا» حال أي مصطفين كل أمة صف ويقال لهم «لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة» أي فرادى حفاة عراة غُرْلاً ويقال لمنكري البعث «بل زعمتم أ» ن مخففة من الثقيلة أي أنه «لن نجعل لكم موعدا» للبعث.
﴿ تفسير السعدي ﴾
فيعرضون عليه صفا ليستعرضهم وينظر في أعمالهم، ويحكم فيهم بحكمه العدل، الذي لا جور فيه ولا ظلم، ويقول لهم: لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة أي: بلا مال، ولا أهل، ولا عشيرة، ما معهم إلا الأعمال، التي عملوها، والمكاسب في الخير والشر، التي كسبوها كما قال تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ وقال هنا، مخاطبا للمنكرين للبعث، وقد شاهدوه عيانا: بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا أي: أنكرتم الجزاء على الأعمال، ووعد الله ووعيده، فها قد رأيتموه وذقتموه
﴿ تفسير البغوي ﴾
( وعرضوا على ربك صفا ) أي صفا صفا فوجا فوجا لا أنهم صف واحد وقيل : قياما ثم يقال لهم يعني الكفار ( ( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) يعني أحياء وقيل : فرادى كما ذكر في سورة الأنعام وقيل : غرلا .( بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) يوم القيامة يقوله لمنكري البعث .أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهب عن ابن طاوس عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا " .أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان بن المغيرة بن النعمان حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم محشورون حفاة عراة غرلا " ثم قرأ " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " ( الأنبياء - 104 ) وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح : " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم " إلى قوله : " العزيز الحكيم " ( المائدة 117 - 118 ) .أخبرنا أبو الحسن السرخسي [ أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي ] أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن المغلس ببغداد حدثنا هارون بن إسحاق الهمذاني أنبأنا أبو خالد الأحمر عن حاتم بن أبي صغير عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة؟ قال : " عراة حفاة " قالت : قلت والنساء؟ قال : " والنساء " قالت : قلت يا رسول الله نستحي قال : " يا عائشة الأمر أشد من ذلك أن يهمهم أن ينظر بعضهم إلى بعض " .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم تذكر السورة الكريمة حالة رابعة من أهوال يوم القيامة، هي حالة العرض بعد حالة الجمع فتقول: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا.أى: وأحضروا جميعا إلى ربك مصفوفين في صف واحد أو في صفوف متعددة، ليقضى فيهم- سبحانه- بقضائه العادل.قال الآلوسى: أخرج ابن مندة في التوحيد عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله- تعالى- ينادى يوم القيامة، يا عبادي: أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين.وأحكم الحاكمين، وأسرع الحاسبين. أحضروا حجتكم ويسروا جوابكم. فإنكم مسئولون محاسبون. يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب» .وفي الحديث الصحيح: «يجمع الله- تعالى- الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر..» .وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. مقول لقول محذوف، وجملة «كما خلقناكم» نعت لمصدر محذوف.والمعنى: ونقول لمنكري البعث والحساب بعد عرضهم علينا على سبيل التوبيخ والتأنيب:لقد جئتمونا- أيها المكذبون- مجيئا كائنا كمجيئكم عند خلقنا إياكم أول مرة. أى حفاة عراة لا مال معكم ولا ولد.وعبر- سبحانه- بالماضي في قوله: قَدْ جِئْتُمُونا..لتحقق الوقوع وتنزيله منزلة الواقع بالفعل.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ. لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ .ثم ختم- سبحانه- الآية بالانتقال من توبيخهم هذا إلى توبيخ أشد وأقسى فقال:ْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً.أى: بل زعمتم أيها المكذبون بالبعث- أن لن نجعل لكم زمانا أو مكانا نجازيكم فيه على أعمالكم، وأنكرتم إنكارا مصحوبا بقسم أننا لا نبعث من يموت.قال- تعالى-: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله : ( وعرضوا على ربك صفا ) يحتمل أن يكون المراد : أن جميع الخلائق يقومون بين يدي الله صفا واحدا ، كما قال تعالى : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبإ : 38 ] ويحتمل أنهم يقومون صفوفا صفوفا ، كما قال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) [ الفجر : 22 ]وقوله : ( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) هذا تقريع للمنكرين للمعاد ، وتوبيخ لهم على رءوس الأشهاد ؛ ولهذا قال مخاطبا لهم : ( بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ) أي : ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ، ولا أن هذا كائن .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا قوله تعالى : وعرضوا على ربك صفا صفا نصب على الحال . قال مقاتل : يعرضون صفا بعد صف كالصفوف في الصلاة ، كل أمة وزمرة صفا ; لا أنهم صف واحد . وقيل جميعا ; كقوله ثم ائتوا صفا أي جميعا . وقيل قياما . وخرج الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن منده في كتاب التوحيد عن معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله - تبارك وتعالى - ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير فظيع يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون أحضروا حجتكم ويسروا جوابا فإنكم مسئولون محاسبون . يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب .قلت : هذا الحديث غاية في البيان في تفسير الآية ، ولم يذكره كثير من المفسرين ، وقد كتبناه في كتاب التذكرة ، ومنه نقلناه والحمد لله .لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة أي يقال لهم : لقد جئتمونا حفاة عراة ، لا مال معكم ولا ولدا وقيل فرادى ; دليله قوله ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة . وقد تقدم . وقال الزجاج : أي بعثناكم كما خلقناكم .بل زعمتم هذا خطاب لمنكري البعث أي زعمتم في الدنيا أن لن تبعثوا وأن لن نجعل لكم موعدا للبعث . وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا قلت : يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : يا عائشة ، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض . " غرلا " أي غير مختونين . وقد تقدم في " الأنعام " بيانه .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله : ( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا ) يقول عزّ ذكره: وعُرض الخلق على ربك يا محمد صفا.( لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) يقول عزّ ذكره : يقال لهم إذ عُرضوا على الله: لقد جئتمونا أيها الناس أحياء كهيئتكهم حين خلقناكم أوَّل مرة ، وحذف يقال من الكلام لمعرفة السامعين بأنه مراد في الكلام.وقوله: ( بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا ) وهذا الكلام خرج مخرج الخبر عن خطاب الله به الجميع، والمراد منه الخصوص، وذلك أنه قد يرد القيامة خلق من الأنبياء والرسل، والمؤمنين بالله ورسله وبالبعث ، ومعلوم أنه لا يقال يومئذ لمن وردها من أهل التصديق بوعد الله في الدنيا، وأهل اليقين فيها بقيام الساعة، بل زعمتم أن لن نجعل لكم البعث بعد الممات، والحشر إلى القيامة موعدا، وأن ذلك إنما يقال لمن كان في الدنيا مكذّبا بالبعث وقيام الساعة.------------------------الهوامش:(1) هذان بيتان من مشطور الرجز ، من ثلاثة أبيات أوردها ( اللسان : عرض ) والثالث قبلهما ، وهو * يا ليل أسقاك البريق الوامض *وهي لأبي محمد الفقعسي قاله يخاطب امرأة خطبها إلى نفسها ، ورغبها في أن تنكحه ، فقال : هل لك رغبة في مئة من الإبل أو أكثر من ذلك لأن الهجمة أولها الأربعون ، إلى ما زدت ، يجعلها لها مهرا . قال : وفيه تقديم وتأخير ، والمعنى هل لك في مئة من الإبل أو أكثر ، يسئر منها قابضها الذي يسوقها ، أي يبقى ، لأنه لا يقدر على سوقها ، لكثرتها وقوتها ، لأنها تفرق عليه . ثم قال والعارض منك عائض ، أي المعطي بذل بضعك أي معطي بدل بضعك عرضا عائض ، أي آخذ عوضا منك بالتزويج ، يكون كفاء لما عرض منك . ويقال عضت أعاض : إذا اعتضت عوضا ، ( بكسر العين في الماضي ) وعضت أعوض ( بضم عين الماضي ) : إذا عوضت عوضا : أي دفعت : فقوله عائض من عضت ( بالكسر ) لا من عضت ( بالضم ) . ومن روى " يغدر " : أراد يترك ، من قولهم غادرت الشيء . قال ابن بري : والذي في شعره : " والعائض منك عائض " : أي والعوض منك عوض ، كما تقول : الهبة منك هبة ، أي لها موقع . ا ه - قلت : في رواية اللسان لهذا الرجز " يسئر " أي يبقى ، في موضع " يغدر " .
﴿ وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ﴾