إعراب الآية 36 من سورة الحجر - إعراب القرآن الكريم - سورة الحجر : عدد الآيات 99 - - الصفحة 264 - الجزء 14.
سؤاله النظِرة بعد إعلامه بأنه ملعون إلى يوم الدين فاض به خبث جبلته البالغ نهاية الخباثة التي لا يشفيها إلا دوام الإفساد في هذا العالم ، فكانت هذه الرغبة مجلبة لدوام شقوته .
ولما كانت اللعنة تستمر بعد انعدام الملعون إذا اشتهر بين الناس بسوء لم يكن توقيتها بالأبد مقيداً حياة الملعون ، فلذلك لم يكن لإبليس غنى بقوله تعالى { إلى يوم الدين } عن أن يسأل الإبقاء إلى يوم الدين ليكون مصدر الشرور للنفوس قضاء لما جبل عليه من بثّ الخُبث؛ فكان بذلك حريصاً على دوامها بما يوجه إليه من اللّعنة ، فسأل النظرة حباً للبقاء لما في البقاء من استمرار عمله .
وخاطب الله بصفة الربوبية تخضّعاً وحثّاً على الإجابة ، والفاء في { فأنظرني } فاء التفريع . فرع السؤال عن الإخراج .
ووسّط النداء بين ذلك .
وذُكرت هذه الحالة من أوصاف نفسيته بعثاً لكراهيته في نفوس البشر الذين يرون أن حق النفس الأبية أن تأنف من الحياة الذميمة المحقرة ، وذلك شأن العرب ، فإذا علموا هذا الحوص من حال إبليس أبغضوه واحتقروه فلم يرضوا بكل عمل ينسب إليه .
والإنظار : الإمهال والتأخير . وتقدم في قوله : { فنظرة إلى ميسرة } في سورة البقرة ( 280 ). والمراد تأخير إماتته لأن الإنظار لا يكرن للذات ، فتعين أنه لبعض أحوالها وهو الموت بقرينة السياق .
وعبر عن يوم الدين ب { يوم يبعثون } تمهيداً لما عقد عليه العزم من إغواء البشر ، فأراد الإنظار إلى آخر مدة وجود نوع الإنسان في الدنيا . وخلق الله فيه حب النظرة التي قدرها الله له وخلقه لأجلها وأجل آثارها ليحمل أوزار تبعة ذلك بسبب كسبه واختياره تلك الحالة ، فإن ذلك الكسب والاختيار هو الذي يجعله ملائماً لما خلق له ، كما أومأ إلى ذلك البيان النبوي بقوله : « كل ميسر لما خلق له » . وضمير { يبعثون } للبشر المعلومين من تركيب خلق آدم عليه السلام ، وأنه يكون له نسل ولا سيما حيث خلقت زوجه حينئذٍ فإن ذلك يقتضي أن يكون منهما نسل .