عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ أي: ذلك الكأس اللذيذ الذي يشربون به، لا يخافون نفاده، بل له مادة لا تنقطع، وهي عين دائمة الفيضان والجريان، يفجرها عباد الله تفجيرا، أنى شاءوا، وكيف أرادوا، فإن شاءوا صرفوها إلى البساتين الزاهرات، أو إلى الرياض الناضرات، أو بين جوانب القصور والمساكن المزخرفات، أو إلى أي: جهة يرونها من الجهات المونقات.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه- عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ.. بدل من قوله: كانَ مِزاجُها كافُوراً لأن ماءها في بياض الكافور وفي رائحته وبرودته.أى: أن الأبرار يشربون من كأس، ماؤها ينبع من عين في الجنة، هذا الماء له بياض الكافور ورائحته وبرودته.وعدى فعل «يشرب» بالباء، التي هي باء الإلصاق، لأن الكافور يمزج به شرابهم.أى عينا يشرب عباد الله ماءهم وخمرهم بها. أى: مصحوبا بمائها وخمرها.ومنهم من جعل الباء هنا بمعنى من التبعيضية. أى: عينا يشرب من بعض مائها وخمرها عباد الله، وهم الأبرار.وعبر عنهم بذلك لتشريفهم وتكريمهم، حيث أضافهم- سبحانه- إلى ذاته.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم وصل فعل الشرب بحرف الابتداء أولا، وبحرف الإلصاق آخرا؟ قلت: لأن الكأس مبدأ شربهم وأول غايته، وأما العين فبها يمزجون شرابهم، فكأن المعنى: يشرب عباد الله بها الخمر، كما تقول: شربت الماء بالعسل.. .وقوله- سبحانه-: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً صفة أخرى للعين، أى: يسيرونها ويجرونها إلى حيث يريدون، وينتفعون بها كما يشاءون، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يتجهون إليه.فالتعبير بقوله: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً إشارة إلى كثرتها وسعتها وسهولة حصولهم عليها.يقال: فجّر فلان الماء، إذا أخرجه من الأرض بغزارة ومنه قوله- تعالى- وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً.
﴿ تفسير البغوي ﴾
"عيناً"، نصب تبعاً للكافور. وقيل: هو نصب على المدح. وقيل أعني عيناً. وقال الزجاج: الأجود أن يكون المعنى من عين، "يشرب بها"، قيل: يشربها والباء صلة وقيل بها أي منها، "عباد الله"، قال ابن عباس أولياء الله، "يفجرونها تفجيراً"، أي يقودونها حيث شاؤوا من منازلهم وقصورهم، كمن يكون له نهر يفجره ها هنا وها هنا إلى حيث يريد.