﴿ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
وهؤلاء الذين لا يعلمون أي: لا يعلمون بواطن الأشياء وعواقبها. وإنما يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فينظرون إلى الأسباب ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى مسببها المتصرف فيها. وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ قد توجهت قلوبهم وأهواؤهم وإراداتهم إلى الدنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت وأقبلت بها وأدبرت وغفلت عن الآخرة، فلا الجنة تشتاق إليها ولا النار تخافها وتخشاها ولا المقام بين يدي اللّه ولقائه يروعها ويزعجها وهذا علامة الشقاء وعنوان الغفلة عن الآخرة.ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب.وأظهروا من العجائب الذرية والكهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية ما فاقوا به وبرزوا وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما أقدرهم اللّه عليه، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم وأشدهم غفلة عن آخرتهم وأقلهم معرفة بالعواقب، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون وفي ضلالهم يعمهون وفي باطلهم يترددون نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون.ثم نظروا إلى ما أعطاهم اللّه وأقدرهم عليه من الأفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها و[ما] حرموا من العقل العالي فعرفوا أن الأمر للّه والحكم له في عباده وإن هو إلا توفيقه وخذلانه فخافوا ربهم وسألوه أن يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والإيمان حتى يصلوا إليه، ويحلوا بساحته [وهذه الأمور لو قارنها الإيمان وبنيت عليه لأثمرت الرُّقِيَّ العالي والحياة الطيبة، ولكنها لما بني كثير منها على الإلحاد لم تثمر إلا هبوط الأخلاق وأسباب الفناء والتدمير]
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والضمير في قوله- تعالى-: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعود للأكثر من الناس. أى: هؤلاء الأكثرون من الناس، من أسباب جهلهم بسنن الله- تعالى- في خلقه، أنهم لا يهتمون إلا بملاذ الحياة الدنيا ومتعها وشهواتها، ووسائل المعيشة فيها.وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ وما فيها من حساب وثواب وعقاب هُمْ غافِلُونَ لأنهم آثروا الدار العاجلة، على الدار الباقية، فهم- كما قال- تعالى-: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.قال صاحب الكشاف ما ملخصه: وقوله: يَعْلَمُونَ ظاهِراً بدل من قوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه، ويسد مسده. ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا.. وفي تنكير قوله: ظاهِراً إشارة إلى أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهر الحياة الدنيا .فالآية الكريمة تنعى على هؤلاء الكافرين وأشباههم، انهماكهم في شئون الدنيا انهماكا تاما، جعلهم غافلين عما ينتظرهم في أخراهم من حساب وعقاب. ورحم الله القائل:ومن البلية أن ترى لك صاحبا ... في صورة الرجل السميع المبصرفطن بكل مصيبة في ماله ... وإذا يصاب بدينه لم يشعرثم حضهم- سبحانه- على التفكر في خلق أنفسهم، وعلى التفكير في ملكوت السموات والأرض، لعل هذا التفكر والتدبر يهديهم إلى الصراط المستقيم، فقال- تعالى-:
﴿ تفسير البغوي ﴾
( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) يعني : أمر معاشهم ، كيف يكتسبون ويتجرون ، ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون ، وكيف يبنون ويعيشون ، قال الحسن : إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطئ وهو لا يحسن يصلي ( وهم عن الآخرة هم غافلون ) ساهون عنها جاهلون بها ، لا يتفكرون فيها ولا يعملون لها .