﴿ أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: أفلم يتفكر هؤلاء المكذبون لرسل اللّه ولقائه فِي أَنْفُسِهِمْ فإن في أنفسهم آيات يعرفون بها أن الذي أوجدهم من العدم سيعيدهم بعد ذلك وأن الذي نقلهم أطوارا من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى آدمي قد نفخ فيه الروح إلى طفل إلى شاب إلى شيخ إلى هرم، غير لائق أن يتركهم سدى مهملين لا ينهون ولا يؤمرون ولا يثابون ولا يعاقبون. مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [أي] ليبلوكم أيكم أحسن عملا. وَأَجَلٌ مُسَمًّى أي: مؤقت بقاؤهما إلى أجل تنقضي به الدنيا وتجيء به القيامة وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات. وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ فلذلك لم يستعدوا للقائه ولم يصدقوا رسله التي أخبرت به وهذا الكفر عن غير دليل، بل الأدلة القاطعة قد دلت على البعث والجزاء.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
والاستفهام في قوله- تعالى-: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى.. لتوبيخ أولئك الكافرين الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام.وما في قوله ما خَلَقَ للنفي، والباء في قوله إِلَّا بِالْحَقِّ للملابسة. وقوله:وَأَجَلٍ مُسَمًّى معطوف على الحق.والمعنى: أبلغ الجهل بهؤلاء الكافرين، أنهم اكتفوا بالانهماك في متع الحياة الدنيا، ولم يتفكروا في أحوال أنفسهم وفي أطوار خلقها، لأنهم لو تفكروا لعلموا وأيقنوا، أن الله- تعالى-: ما خلق السموات والأرض وما بينهما، إلا ملتبسة بالحق الذي لا يشوبه باطل، وبالحكمة التي لا يحوم حولها عبث، وقد قدر- سبحانه- لهذه المخلوقات جميعها أجلا معينا تنتهي عنده، وهو وقت قيام الساعة، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات.فالآية الكريمة تنعى على هؤلاء الأشقياء، غفلتهم عن الدار الآخرة وما فيها من حساب، وتحضهم على التفكر في تكوين أنفسهم، وفي ملكوت السموات والأرض، لأن هذا التفكر من شأنه أن يهدى إلى الحق، كما تلفت أنظارهم إلى أن لهذا الكون كله نهاية ينتهى عندها، وقت أن يأذن الله- تعالى- بذلك، وبقيام الساعة.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان موقف الأكثرية من الناس من قضية البعث والجزاء فقال: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ.أى: وإن كثيرا من الناس لفي انشغال تام بدنياهم عن آخرتهم، ولا يؤمنون بما في الآخرة من حساب وثواب وعقاب، بل يقولون: ما الحياة إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين، وعلى رأس هذا الصنف من الناس مشركو مكة الذين أرسل النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، لإخراجهم من الظلمات إلى النور.وقال- سبحانه-: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ.. للإشعار بان هناك عددا قليلا من الناس- بالنسبة لهؤلاء الكثيرين- قد آمنوا بلقاء ربهم، واستعدوا لهذا اللقاء عن طريق العمل الصالح الذي يرضى خالقهم- عز وجل-.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) أي : للحق ، وقيل : لإقامة الحق ( وأجل مسمى ) أي : لوقت معلوم إذا انتهت إليه فنيت ، وهو القيامة ( وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون)