﴿ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾
﴿ تفسير السعدي ﴾
نبههم على السير في الأرض والنظر في عاقبة الذين كذبوا رسلهم وخالفوا أمرهم ممن هم أشد من هؤلاء قوة وأكثر آثارا في الأرض من بناء قصور ومصانع ومن غرس أشجار ومن زرع وإجراء أنهار، فلم تغن عنهم قوتهم ولا نفعتهم آثارهم حين كذبوا رسلهم الذين جاءوهم بالبينات الدالات على الحق وصحة ما جاءوهم به، فإنهم حين ينظرون في آثار أولئك لم يجدوا إلا أمما بائدة وخلقا مهلكين ومنازل بعدهم موحشة وذم من الخلق عليهم متتابع. وهذا جزاء معجل نموذج للجزاء الأخروي ومبتدأ له.وكل هذه الأمم المهلكة لم يظلمهم اللّه بذلك الإهلاك وإنما ظلموا أنفسهم وتسببوا في هلاكها.
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم قرعهم- سبحانه- للمرة الثانية على عدم اتعاظهم بأحوال السابقين من الأمم قبلهم، فقال- تعالى-: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...أى: أقعد مشركو مكة في ديارهم، ولم يسيروا في الأرض سير المتأملين المتفكرين المعتبرين فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، من الأمم الماضية، كقوم عاد وثمود، وقوم لوط.وقوله- سبحانه-: كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً بيان لحال هؤلاء الأقوام السابقين وَأَثارُوا الْأَرْضَ أى: كان أولئك السابقون أقوى من أهل مكة في كل مجال من مجالات القوة، وكانوا أقدر منهم على حراثة الأرض، وتهيئتها للزراعة، واستخراج خيراتها من باطنها.وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها أى: حرثوا الأرض وشقوا عن باطنها، وعمروها عمارة أكثر من عمارة أهل مكة لها، لأن أولئك الأقوام السابقين كانوا أقوى من كفار مكة، وكانوا أكثر دراية بعمارة الأرض.وهؤلاء الأقوام السابقون: جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أى: بالمعجزات الواضحات، وبالحجج الساطعات، ولكن هؤلاء الأقوام كذبوا رسلهم، فأهلكهم الله- تعالى- فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ أى: فما كان الله- تعالى- من شأنه أن يعذبهم بدون ذنب.وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ حيث ارتكبوا من الكفر والمعاصي ما كان سببا في هلاكهم.
﴿ تفسير البغوي ﴾
(أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) أولم يسافروا في الأرض فينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم فيعتبروا ( كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض ) حرثوها وقلبوها للزراعة ( وعمروها أكثر مما عمروها ) [ أي : أكثر مما عمرها ] أهل مكة ، قيل : قال ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث ( وجاءتهم رسلهم بالبينات ) فلم يؤمنوا فأهلكهم الله ( فما كان الله ليظلمهم ) بنقص حقوقهم ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) ببخس حقوقهم . .