سورة ص والقرآن ذي الذكر - عدد الآيات 88 - رقم السورة - صفحة السورة في المصحف الشريف - .
تفسير و معنى الآية 1 من سورة ص عدة تفاسير - سورة ص : عدد الآيات 88 - - الصفحة 453 - الجزء 23.
﴿ صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ ﴾ [ ص: 1]
﴿ التفسير الميسر ﴾
(ص) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«ص» الله أعلم بمراده به «والقرآن ذي الذكر» أي البيان أو الشرف، وجواب هذا القسم محذوف: أي ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة.
﴿ تفسير السعدي ﴾
هذا بيان من اللّه تعالى لحال القرآن، وحال المكذبين به معه ومع من جاء به، فقال: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أي: ذي القدر العظيم والشرف، المُذَكِّرِ للعباد كل ما يحتاجون إليه من العلم، بأسماء اللّه وصفاته وأفعاله، ومن العلم بأحكام اللّه الشرعية، ومن العلم بأحكام المعاد والجزاء، فهو مذكر لهم في أصول دينهم وفروعه.وهنا لا يحتاج إلى ذكر المقسم عليه، فإن حقيقة الأمر، أن المقسم به وعليه شيء واحد، وهو هذا القرآن، الموصوف بهذا الوصف الجليل، فإذا كان القرآن بهذا الوصف، علم ضرورة العباد إليه، فوق كل ضرورة، وكان الواجب عليهم تَلقِّيه بالإيمان والتصديق، والإقبال على استخراج ما يتذكر به منه.
﴿ تفسير البغوي ﴾
مكية( ص ) قيل : هو قسم ، وقيل : اسم السورة كما ذكرنا في سائر حروف التهجي في أوائل السور .وقال محمد بن كعب القرظي : " ص " مفتاح اسم الصمد ، وصادق الوعد .وقال الضحاك : معناه صدق الله .وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - .( والقرآن ذي الذكر ) أي ذي البيان ، قاله ابن عباس ومقاتل . وقال الضحاك : ذي الشرف ، دليله قوله تعالى : " وإنه لذكر لك ولقومك " ( الزخرف - 44 ) ، وهو قسم .واختلفوا في جواب القسم ، قيل : جوابه قد تقدم ، وهو قوله " ص " أقسم الله تعالى بالقرآن أن محمدا قد صدق .وقال الفراء : " ص " معناها : وجب وحق ، وهو جواب قوله : " والقرآن " كما تقول : نزل والله .وقيل : جواب القسم محذوف تقديره : والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار ،
﴿ تفسير الوسيط ﴾
مقدمة1- سورة «ص» هي السورة الثامنة والثلاثون في ترتيب المصحف، وكان نزولها بعد سورة «القمر» وهي من السور المكية الخالصة. ويقال لها سورة «داود» .قال الآلوسى: هي مكية- كما روى عن ابن عباس وغيره- وهي ثمان وثمانون آية في المصحف الكوفي. وست وثمانون في الحجازي والبصري والشامي ... وهي كالمتممة لسورة الصافات التي قبلها، من حيث إنه ذكر فيها ما لم يذكر في تلك من الأنبياء، كداود وسليمان ... » .2- وقد افتتحت سورة «ص» بقسم من الله- تعالى- بالقرآن الكريم، على صدق الرسول صلّى الله عليه وسلم، فيما يبلغه عن ربه.ثم حكى- سبحانه- ما قاله المشركون فيما بينهم، لإنكار نبوة النبي صلّى الله عليه وسلم، ولإنكار يوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب، ورد عليهم بما يثبت جهلهم وغفلتهم واستكبارهم عن قبول الحق..قال- تعالى-: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ. ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ. أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ. أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ.3- ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم عما لحقه منهم من أذى وكيد، فحكت له أن أقوام الرسل السابقين قد قابلوا رسلهم بالتكذيب، وأمرته بالصبر على جهالاتهم، وساقت جانبا من قصة داود- عليه السلام فذكرت بعض النعم التي أنعم الله- تعالى- بها عليه، كما ذكرت ما دار بينه وبين الخصوم الذين تسوروا عليه المحراب.قال- تعالى-: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ. وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب. إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب. وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق. وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب. اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب) ...4- وبعد هذا الحديث الذي فيه شيء من التفصيل عن وجوه النعم التي أنعم بها- سبحانه- على عبده داود، وعن لون من ألوان الامتحانات التي امتحنه- تعالى- بها، وعن الإرشادات الحكيمة التي أرشده الله- عز وجل- إليها ...بعد كل ذلك ساق- سبحانه- أنواعا من الأدلة على وحدانيته وقدرته، وبين أن حكمته قد اقتضت عدم المساواة بين الأخيار والفجار.قال- تعالى-: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ. كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ، وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.5- ثم أثنى- سبحانه- بعد ذلك على نبيه سليمان- عليه السلام- وبين بعض النعم التي منحها له، كما بين موقفه مما اختبره- تعالى- به ...قال- تعالى-: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ. قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ. وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ.6- ثم مدح- سبحانه- نبيه أيوب- عليه السلام- على صبره، وعلى كثرة تضرعه إلى ربه، وكيف أنه- تعالى- قد كافأه على ذلك بما يستحقه.قال- تعالى-: وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ. وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ، إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً، نِعْمَ الْعَبْدُ، إِنَّهُ أَوَّابٌ.7- ثم أثنى- سبحانه- على أنبيائه: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإسماعيل واليسع وذا الكفل، وبين ما أعده لهم ولأمثالهم من عباده الأخيار، كما بين ما توعد به الفجار من عذاب أليم..قال- تعالى-: هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ. جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ. مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ. وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ. هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ. إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ. هذا، وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ.8- ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بالحديث عن قصة آدم وإبليس وكيف أن الملائكة جميعا سجدوا لآدم إلا إبليس فإنه أبى واستكبر وقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فكانت عاقبته الطرد من رحمة الله- تعالى-.9- ومن هذا العرض المجمل لسورة «ص» نرى أنها قد اهتمت اهتماما واضحا، بإقامة الأدلة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته. وعلى صدق النبي صلّى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن يوم القيامة حق، كما اهتمت بحكاية شبهات المشركين ثم الرد عليها، كما ذكرت جانبا من قصص بعض الأنبياء ليعتبر بقصصهم كل ذي عقل سليم، كما أنها قد اهتمت ببيان حسن عاقبة الأخيار وسوء عاقبة الأشرار، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة.والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.سورة " ص " من السور القرآنية التى افتتحت ببعض حروف التهجى ، وقد سبق أن بينا بشئ من التفصيل آراء العلماء فى هذه المسألة ، عند تفسيرنا لسورة البقرة ، وآل عمران ، والأعراف . ويونس . .وقلنا ما خلاصته : لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة قد وردت فى بعض السور القرآنية على سبيل الإيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن .فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين فى أن القرآن من عند الله هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام من جنس ما تؤلفون منه كلامكم ، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم .فإن كنتم فى شك من كونه منزلا من عند الله فهاتوا مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك ، أو فى الإِتيان بعشر سور من مثله ، أو بسورة واحدة من مثله .فعجزوا وانقلبوا خاسرين . وثبت أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - .والواو فى قوله - تعالى - : ( والقرآن ذِي الذكر ) للقسم . والمقسم به القرآن الكريم . وجواب القسم محذوف ، لدلالة ما بعده عليه .والذكر ، يطلق على الشرف ونباهة الشأن ، يقال فلان مذكور ، أى : صاحب شرف ونباهة . ومنه قوله - تعالى - : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ) ويطلق وبراد به التذكير على أنه مصدر ، لأن القرآن مشتمل على المواعظ والأحكام وقصص الأنبياء . وغير ذلك مما يسعد الناس فى دينهم ودنياهم .وهذان الإِطلاقان ينطبقان على القرآن الكريم ، فيكون المعنى : وحق القرآن الكريم ذى الشرف العظيم ، وذى التذكير الحكيم المشتمل على ما ينفع الناس فى دنياهم وآخرتهم . .إنك - أيها الرسول لصادق فى كل ما تبلغه عن ربك ولم يصدر منك إطلاقا ما يخالف الحق الذى أمرناك بتبليغه للناس .قال بعض العلماء ما ملخصه : اعلم أنهم اختلفوا فى تعيين الشئ الذى أقسم الله - تعالى - عليه فى قوله : ( والقرآن ذِي الذكر ) .فقال بعضهم إن المقسم عليه مذكور ، وهو قوله - تعالى - : ( إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار ) أو قوله - تعالى - : ( إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ ) أو قوله - تعالى - : ( كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ) . .والحق أن القول بأن المقسم عليه مذكور ظاهر السقوط .وقال آخرون إن المقسم عليه محذوف ، واختلفوا فى تقديره ، فقال صاحب الكشاف : التقدير : ( والقرآن ذِي الذكر ) إنه لمعجز . وقدره ابن عطية فقال : والتقدير : والقرآن ذى الذكر ليس الأمر كما يقول الكفار . .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
تفسير سورة ص [ وهي ] مكية .* قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسرها حكاه القرطبي في تفسيره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم واختاره أبو حاتم بن حبان.ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور.قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقل عن سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة "الم" السجدة و "هل أتى على الإنسان" وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: الم وحم والمص وص.فواتح افتتح الله بها القرآن وكذا قال غيره عن مجاهد وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه أنه قال الم اسم من أسماء القرآن وهكذا وقال قتادة وزيد بن أسلم ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبدالرحمن بن زيد بن أسلم أنه اسم من أسماء السور فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن فإنه يبعد أن يكون المص اسما للقرآن كله لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول قرأت المص إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف لا لمجموع القرآن والله أعلم.وقيل هي اسم من أسماء الله تعالى فقال عنها في فواتح السور من أسماء الله تعالى وكذلك قال سالم بن عبدالله وإسماعيل بن عبدالرحمن السدي الكبير وقال شعبة عن السدي بلغني أن ابن عباس قال الم اسم من أسماء الله الأعظم.هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن شعبة قال سألت السدي عن حم وطس والم فقال قال ابن عباس هي اسم الله الأعظم وقال ابن جرير وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو النعمان حدثنا شعبة عن إسماعيل السدي عن مرة الهمذاني قال: قال عبدالله فذكر نحوه.وحُكي مثله عن علي وابن عباس وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله تعالى وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة أنه قال الم قسم.وروينا أيضا من حديث شريك بن عبدالله بن عطاء بن السائب عن أبى الضحى عن ابن عباس: الم قال أنا الله أعلم وكذا قال سعيد بن جبير وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الم قال أما الم فهي حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله تعالى.قال وأبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى الم قال هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا دارت فيها الألسن كلها ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلألائه ليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم.قال عيسى ابن مريم عليه السلام وعجب: فقال أعجب أنهم يظنون بأسمائه ويعيشون في رزقه فكيف يكفرون به فالألف مفتاح الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد فالألف آلاء الله واللام لطف الله والميم مجد الله والألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون سنة.هذا لفظ ابن أبي حاتم ونحوه رواه ابن جرير ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الآخر وأن الجمع ممكن فهي أسماء للسور ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته كما افتتح سورا كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه قال ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله وعلى صفة من صفاته وعلى مدة وغير ذلك كما ذكره الربيع بن أنس عن أبي العالية لأن الكلمة الواحدة تطلق على معاني كثيرة كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد به الدين كقوله تعالى "إنا وجدنا آباءنا على أمة" وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله كقوله تعالى "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين" وتطلق ويراد بها الجماعة كقوله تعالى "وجد عليه أمة من الناس يسقون" وقوله تعالى "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا" وتطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله تعالى "وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة" أي بعد حين على أصح القولين قال فكذلك هذا.هذا حاصل كلامه موجها ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية فإن أبا العالية زعم أن الحرف دل على هذا وعلى هذا وعلى هذا معا ولفظة الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الاصطلاح إنما دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأصول ليس هذا موضع البحث فيها والله أعلم.ثم إن لفظة الأمة تدل على كل من معانيها في سياق الكلام بدلالة الوضع فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدل على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخر في التقدير أو الإضمار بوضع ولا بغيره فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف والمسألة مختلف فيها وليس فيها إجماع حتى يحكم به وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا كما قال الشاعر: قلنا قفي لنا فقالت قاف لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف تعني وقفت.وقال الآخر: ما للظليم عال كيف لا ي ينقد عنه جلده إذا ي فقال ابن جرير كأنه أراد أن يقول إذا يفعل كذا وكذا فاكتفى بالياء من يفعل وقال الآخر: بالخير خيرات وان شرا ف ولا أريد الشر إلا أن ت يقول وإن شرا فشرا ولا أريد الشر إلا أن تشاء فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن بقيتهما ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام والله أعلم.قال القرطبي وفي الحديث "من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة" الحديث قال سفيان هو أن يقول في اقتل"ا ق" وقال خصيف عن مجاهد أنه قال فواتح السور كلها"ق وص وحم وطسم والر" وغير ذلك هجاء موضوع وقال بعض أهل العربية هي حروف من حروف المعجم استغنى بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفا كما يقول القائل ابني يكتب في - ا ب ت ث - أي في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغني بذكر بعضها عن مجموعها حكاه ابن جرير.قلت مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا وهي - ال م ص ر ك ه ي ع ط س ح ق ن- يجمعها قولك: نص حكيم قاطع له سر.وهي نصف الحروف عددا والمذكور منها أشرف من المتروك وبيان ذلك من صناعة التصريف.قال الزمخشري وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ومن الرخوة والشديدة ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة.وقد سردها مفصلة ثم قال: فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته.وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله وههنا ههنا لخص بعضهم في هذا المقام كلاما فقال: لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلمة فقد أخطأ خطأ كبيرا فتعين أن لها معنى في نفس الأمر فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به وإلا وقفنا حيث وقفنا وقلنا "آمنا به كل من عند ربنا" ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين وإنما اختلفوا فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه وإلا فالوقف حتى يتبين هذا المقام.المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها فقال بعضهم إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور حكاه ابن جرير وهذا ضعيف لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه وفيما ذكرت فيه البسملة تلاوة وكتابة وقال آخرون بل ابتدئ بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن حتى إذا استمعوا له تلا عليهم المؤلف منه حكاه ابن جرير أيضا وهو ضعيف أيضا لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها بل غالبها ليس كذلك ولو كان كذلك أيضا لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطابا للمشركين فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه.وقال آخرون بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا وقرره الزمخشري فى كشافه ونصره أتم نصر وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية.قال الزمخشري ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة وكرر التحدي بالصريح في أماكن قال وجاء منها على حرف واحد كقوله - ص ن ق- وحرفين مثل "حم" وثلاثة مثل "الم" وأربعة مثل "المر" و "المص" وخمسة مثل "كهيعص- و- حم عسق" لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك "قلت" ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته وهذا معلوم بالاستقراء وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ولهذا يقول تعالى "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه" "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه" "المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه" "الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم" "الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين" "حم تنزيل من الرحمن الرحيم" "حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم" وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم.وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ما ليس له وطار في غير مطاره وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته وهو ما رواه محمد بن إسحق بن يسار صاحب المغازي حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبدالله بن رباب قال مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه" فأتى أخاه بن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه" فقال أنت سمعته قال نعم قال فمشى حي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألم يذكر أنك تتلوا فيما أنزل الله عليك "الم ذلك الكتاب"؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بلى" فقالوا جاءك بهذا جبريل من عند الله؟ فقال "نعم" قالوا لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك.فقام حي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال لهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد هل مع هذا غيره فقال "نعم" قال ما ذاك؟ قال "المص" قال هذا أثقل وأطول الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة.هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال "نعم" قال ما ذاك؟ قال "الر" قال هذا أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة.فهل مع هذا يا محمد غيره؟ قال "نعم" قال ماذا قال "المر" قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون ومائتان ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا.ثم قال قوموا عنه ثم قال أبو ياسر لأخيه حي بن أخطب ولمن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع سنين؟ فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي وهو ممن لا يحتج بما انفرد به ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها وذلك يبلغ منه جملة كثيرة وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم والله أعلم.وقوله تعالى "والقرآن ذي الذكر" أي والقرآن المشتمل على ما فيه ذكر للعباد ونفع لهم في المعاش والمعاد قال الضحاك في قوله تعالى " ذي الذكر" كقوله تعالى " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم" أي تذكيركم وكذا قال قتادة وأختاره ابن جرير.وقال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وإسماعيل بن أبي خالد وابن عيينة وأبو حصين وأبو صالح والسدي "ذي الذكر" ذي الشرف أي ذي الشأن والمكانة ولا منافاة بين القولين فإنه كتاب شريف مشتمل على التذكير والإعذار والإنذار واختلفوا في جواب هذا القسم فقال بعضهم هو قوله تعالى "إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب " وقيل قوله تعالى "إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " حكاهما ابن جرير وهذا الثاني فيه بعد كبير وضعفه ابن جرير وقال قتادة جوابه "بل الذين كفروا في عزة وشقاق " واختاره ابن جرير ثم حكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه قال جوابه "ص" بمعنى صدق حق "والقرآن ذي الذكر " وقيل جوابه ما تضمنه سياق السورة بكمالها والله أعلم.
﴿ تفسير القرطبي ﴾
سورة صسورة ص .مكية في قول الجميع ، وهي ست وثمانون آية . وقيل ثمان وثمانون آية .بسم الله الرحمن الرحيم .ص والقرآن ذي الذكرقوله تعالى : ص قراءة العامة " ص " بجزم الدال على الوقف ; لأنه حرف من حروف الهجاء مثل : الم و المر . وقرأ أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم " صاد " بكسر الدال بغير تنوين . ولقراءته مذهبان : أحدهما أنه من صادى يصادي إذا عارض ، ومنه فأنت له تصدى أي تعرض . والمصاداة المعارضة ، ومنه الصدى وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية . فالمعنى صاد القرآن بعملك ، أي : عارضه بعملك وقابله به ، فاعمل بأوامره ، وانته عن نواهيه . النحاس : وهذا المذهب يروى عن الحسن أنه فسر به قراءته رواية صحيحة . وعنه أن المعنى اتله وتعرض لقراءته . والمذهب الآخر : أن تكون الدال مكسورة لالتقاء الساكنين . وقرأ عيسى بن عمر " صاد " بفتح الدال مثله : " قاف " و " نون " بفتح آخرها . وله في ذلك ثلاثة مذاهب : أحدهن : أن يكون بمعنى اتل . والثاني : أن يكون فتح لالتقاء الساكنين واختار الفتح للإتباع ، ولأنه أخف الحركات . والثالث : أن يكون منصوبا على القسم بغير حرف ، كقولك : الله لأفعلن ، وقيل : نصب على الإغراء . وقيل : معناه صاد محمد قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به . وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا " صاد " بكسر الدال والتنوين على أن يكون مخفوضا على حذف حرف القسم ، وهذا بعيد وإن كان سيبويه قد أجاز مثله . ويجوز أن يكون مشبها بما لا يتمكن من الأصوات وغيرها . وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السميقع : " صاد " و " قاف " و " نون " بضم آخرهن : لأنه المعروف بالبناء في غالب الحال ، نحو منذ وقط وقبل وبعد . و " ص " إذا جعلته اسما للسورة لم ينصرف ، كما أنك إذا سميت مؤنثا بمذكر لا ينصرف وإن قلت حروفه . وقال ابن عباس وجابر بن عبد الله وقد سئلا عن ص فقالا : لا ندري ما هي . وقال عكرمة : سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن ص فقال : ص كان بحرا بمكة وكان عليه عرش الرحمن إذ لا ليل ولا نهار . وقال سعيد بن جبير : ص بحر يحيي الله به الموتى بين النفختين . وقال الضحاك : معناه صدق الله . وعنه أن ص قسم أقسم الله به وهو من أسمائه تعالى . وقال السدي ، وروي عن ابن عباس . وقال محمد بن كعب : هو مفتاح أسماء الله تعالى : صمد ، وصانع المصنوعات ، وصادق الوعد . وقال قتادة : هو اسم من أسماء الرحمن . وعنه أنه اسم من أسماء القرآن . وقال مجاهد : هو فاتحة السورة . وقيل : هو مما استأثر الله تعالى بعلمه وهو معنى القول الأول . وقد تقدم جميع هذا في [ البقرة ] .قوله تعالى : والقرآن خفض بواو القسم ، والواو بدل من الباء ، أقسم بالقرآن تنبيها على جلالة قدره ، فإن فيه بيان كل شيء ، وشفاء لما في الصدور ، ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم .ذي الذكر خفض على النعت ، وعلامة خفضه الياء ، وهو اسم معتل ، والأصل فيه ذوى على فعل . قال ابن عباس : ومقاتل معنى ذي الذكر ذي البيان . الضحاك : ذي الشرف أي : من آمن به كان شرفا له في الدارين ، كما قال تعالى : لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أي : شرفكم . وأيضا القرآن شريف في نفسه لإعجازه واشتماله على ما لا يشتمل عليه غيره . وقيل : ذي الذكر أي : فيه ذكر ما يحتاج إليه من أمر الدين . وقيل : ذي الذكر أي : فيه ذكر أسماء الله وتمجيده . وقيل : أي : ذي الموعظة والذكر . وجواب القسم محذوف . واختلف فيه على أوجه : فقيل جواب القسم ص ; لأن معناه حق ، فهي جواب لقوله : والقرآن كما تقول : حقا والله ، نزل والله ، وجب والله ، فيكون الوقف من هذا الوجه على قوله : والقرآن ذي الذكر حسنا ، وعلى في عزة وشقاق تماما . قال ابن الأنباري . وحكى معناه الثعلبي عن الفراء . وقيل : الجواب بل الذين كفروا في عزة وشقاق لأن بل نفي لأمر سبق وإثبات لغيره ، قاله القتبي ، فكأنه قال : والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق عن قبول الحق وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم . أو والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقولون من أنك ساحر كذاب ; لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة بل هم في تكبر عن قبول الحق . وهو كقوله : ق والقرآن المجيد . بل عجبوا . وقيل : الجواب كم أهلكنا كأنه قال : والقرآن لكم أهلكنا ، فلما تأخرت كم حذفت اللام منها ، كقوله تعالى : والشمس وضحاها ثم قال : قد أفلح أي : لقد أفلح . قال المهدوي : وهذا مذهب الفراء . ابن الأنباري : فمن هذا الوجه لا يتم الوقف على قوله : في عزة وشقاق . وقال الأخفش : جواب القسم إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ونحو منه قوله تعالى : تالله إن كنا لفي ضلال مبين وقوله : والسماء والطارق إلى قوله إن كل نفس ابن الأنباري : وهذا قبيح ; لأن الكلام قد طال فيما بينهما وكثرت الآيات والقصص . وقال الكسائي : جواب القسم قوله : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار . ابن الأنباري : وهذا أقبح من الأول ; لأن الكلام أشد طولا فيما بين القسم وجوابه . وقيل : الجواب قوله : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد . وقال قتادة : الجواب محذوف تقديره والقرآن ذي الذكر لتبعثن ونحوه .
﴿ تفسير الطبري ﴾
القول في تأويل قوله تعالى : ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى قول الله عزّ وجلّ: (ص) فقال بعضهم: هو من المصاداة, من صاديت فلانا, وهو أمر من ذلك, كأن معناه عندهم: صاد بعملك القرآن: أي عارضه به, ومن قال هذا تأويله, فإنه يقرؤه بكسر الدال, لأنه أمر, وكذلك رُوي عن الحسن .* ذكر الرواية بذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن (ص) قال: حادث القرآن.وحُدثت عن عليّ بن عاصم, عن عمرو بن عبيد, عن الحسن, في قوله (ص) قال: عارض القرآن بعملك.حُدثت عن عبد الوهاب, عن سعيد, عن قتادة, عن الحسن, في قوله (ص والقرآن) قال: عارض القرآن, قال عبد الوهاب: يقول اعرضه على عملك, فانظر أين عملك من القرآن.حدثني أحمد بن يوسف, قال: ثنا القاسم, قال: ثنا حجاج, عن هارون, عن إسماعيل, عن الحسن أنه كان يقرأ: (ص والقرآن) بخفض الدال, وكان يجعلها من المصاداة, يقول: عارض القرآن.وقال آخرون: هي حرف هجاء.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ: أما(ص) فمن الحروف. وقال آخرون: هو قسم أقسم الله به.* ذكر من قال ذلك:حدثني علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله (ص) قال: قسم أقسمه الله, وهو من أسماء الله.وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة (ص) قال: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به. وقال آخرون: معنى ذلك: صدق الله.* ذكر من قال ذلك:حُدثت عن المسيب بن شريك, عن أبي روق, عن الضحاك فى قوله (ص) قال: صدق الله.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عبد الله بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر, بسكون الدال, فأما عبد الله بن أبي إسحاق فإنه كان يكسرها لاجتماع الساكنين, ويجعل ذلك بمنزلة الأداة, كقول العرب: تركته حاثِ باثِ, وخازِ بازِ يخفضان من أجل أن الذي يلي آخر الحروف ألف فيخفضون مع الألف, وينصبون مع غيرها, فيقولون حيث بيث, ولأجعلنك في حيص بيص: إذا ضيق عليه. وأما عيسى بن عمر فكان يوفق بين جميع ما كان قبل آخر الحروف منه ألف, وما كان قبل آخره ياء أو واو فيفتح جميع ذلك وينصبه, فيقول: ص و ق و ن ويس, فيجعل ذلك مثل الأداة كقولهم: ليتَ, وأينَ وما أشبه ذلك.والصواب من القراءة في ذلك عندنا السكون في كل ذلك, لأن ذلك القراءة التي جاءت بها قرّاء الأمصار مستفيضة فيهم, وأنها حروف هجاء لأسماء المسميات, فيعرب إعراب الأسماء والأدوات والأصوات, فيسلك به مسالكهن, فتأويلها إذ كانت كذلك تأويل نظائرها التي قد تقدم بيانها قبل فيما مضى.وكان بعض أهل العربية يقول: (ص) في معناها كقولك: وجب والله, نزل والله, وحق والله, وهي جواب لقوله (والقرآن) كما تقول: حقا والله, نزل والله.وقوله ( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) وهذا قسم أقسمه الله تبارك وتعالى بهذا القرآن فقال: ( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ )واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( ذِي الذِّكْرِ ) فقال بعضهم: معناه: ذي لشرف.* ذكر من قال ذلك:حدثنا نصر بن عليّ, قال: ثنا أبو أحمد, عن قيس, عن أبي حصين, عن سعيد ( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) قال: ذي الشرف.حدثنا نصر بن عليّ وابن بشار, قالا ثنا أبو أحمد, عن مسعر, عن أبي حصين (ذي الذكر) : ذي الشرف.قال: ثنا أبو أحمد, عن سفيان, عن إسماعيل, عن أبي صالح أو غيره (ذي الذكر) : ذي الشرف.حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ(والقرآن ذي الذكر) قال: ذي الشرف.حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا معاوية بن هشام, عن سفيان, عن يحيى بن عُمارة, عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس (ص والقرآن ذي الذكر) ذي الشرف.وقال بعضهم: بل معناه: ذي التذكير, ذكَّركمُ الله به.* ذكر من قال ذلك:حُدثت عن المسيب بن شريك, عن أبي روق, عن الضحاك (ذي الذكر) قال: فيه ذكركم, قال: ونظيرتها: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ .حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة (ذي الذكر) : أي ما ذكر فيه.وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ذي التذكير لكم, لأن الله أتبع ذلك قوله (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) فكان معلوما بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكرًا لعباده ذكرهم به, وأن الكفار من الإيمان به في عزّة وشقاق.