فأتت مريم قومها تحمل مولودها من المكان البعيد، فلما رأوها كذلك قالوا لها: يا مريم لقد جئت أمرًا عظيمًا مفترى.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فأتت به قومها تحمله» حال فرأوه «قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا» عظيما حيث أتيت بولد من غير أب.
﴿ تفسير السعدي ﴾
أي: فلما تعلت مريم من نفاسها، أتت بعيسى قومها تحمله، وذلك لعلمها ببراءة نفسها وطهارتها، فأتت غير مبالية ولا مكترثة، فقالوا: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فًريًّا ْ أي: عظيما وخيما، وأرادوا بذلك البغاء حاشاها من ذلك.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( فأتت به قومها تحمله ) قيل : إنها ولدته ، ثم حملته في الحال إلى قومها .وقال الكلبي : حمل يوسف النجار مريم وابنها عيسى [ عليهما السلام ] إلى غار ، ومكثت أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها ثم حملته مريم عليها السلام إلى قومها . فكلمها عيسى عليه السلام في الطريق فقال : يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه ، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا ، وكانوا أهل بيت صالحين ( ( قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) عظيما منكرا ، قال أبو عبيدة : كل أمر فائق من عجب أو عمل فهو فريقال النبي صلى الله عليه وسلم في عمر : " فلم أر عبقريا يفري فريه " أي : يعمل عمله .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ ... معطوف على كلام محذوف يفهم من سياق القصة.والتقدير: وبعد أن استمعت مريم إلى ما قاله لها ابنها عيسى- عليه السلام- اطمأنت نفسها، وقرت عينها، فأتت به أى بمولودها عيسى إلى قومها. وهي تحمله معها من المكان القصي الذي اعتزلت فيه قومها.قال الآلوسى: أى: جاءتهم مع ولدها حاملة إياه، على أن الباء للمصاحبة. وجملة تَحْمِلُهُ في موضع الحال من ضمير مريم ... وكان هذا المجيء على ما أخرج سعيد بن منصور، وابن عساكر عن ابن عباس بعد أربعين يوما حين طهرت من نفاسها ...وظاهر الآية والأخبار «أنها جاءتهم به من غير طلب منهم..» .ثم حكى- سبحانه- ما قاله قومها عند ما رأوها ومعها وليدها فقال: قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا.أى: قالوا لها على سبيل الإنكار: يا مريم لقد جئت أى فعلت شيئا منكرا عجيبا في بابه، حيث أتيت بولد من غير زوج نعرفه لك.والفري: مأخوذ من فريت الجلد إذا قطعته، أى: شيئا قاطعا وخارقا للعادة، ومرادهم:أنها أتت بولدها عن طريق غير شرعي، كما قال- تعالى- في آية أخرى: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً.ويدل على أن مرادهم هذا، قولهم بعد ذلك: يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ.
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
يقول تعالى مخبرا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك ، وألا تكلم أحدا من البشر فإنها ستكفى أمرها ويقام بحجتها فسلمت لأمر الله - عز وجل - واستسلمت لقضائه ، وأخذت ولدها ( فأتت به قومها تحمله ) فلما رأوها كذلك ، أعظموا أمرها واستنكروه جدا ، وقالوا : ( يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) أي : أمرا عظيما . قاله مجاهد ، وقتادة والسدي ، وغير واحد .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثنا سيار حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن نوف البكالي قال : وخرج قومها في طلبها ، وكانت من أهل بيت نبوة وشرف . فلم يحسوا منها شيئا ، فرأوا راعي بقر فقالوا : رأيت فتاة كذا وكذا نعتها ؟ قال : لا ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط . قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيتها سجدا نحو هذا الوادي . قال عبد الله بن أبي زياد : وأحفظ عن سيار أنه قال : رأيت نورا ساطعا . فتوجهوا حيث قال لهم ، فاستقبلتهم مريم ، فلما رأتهم قعدت وحملت ابنها في حجرها ، فجاءوا حتى قاموا عليها ، ( قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) أمرا عظيما .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله : فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فرياقوله تعالى : فأتت به قومها تحمله روي أن مريم لما اطمأنت بما رأت من الآيات ، وعلمت أن الله تعالى سيبين عذرها ، أتت به تحمله من المكان القصي الذي كانت انتبذت فيه . قال ابن عباس : خرجت من عندهم حين أشرقت الشمس ، فجاءتهم عند الظهر ومعها صبي تحمله ، فكان الحمل والولادة في ثلاث ساعات من النهار . وقال الكلبي : ولدت حيث لم يشعر بها قومها ، ومكثت أربعين يوما للنفاس ، ثم أتت قومها تحمله ، فلما رأوها ومعها الصبي حزنوا وكانوا أهل بيت صالحين ؛ فقالوا منكرين : لقد جئت شيئا فريا أي جئت بأمر عظيم كالآتي بالشيء يفتريه . قال مجاهد : فريا عظيما . وقال سعيد بن مسعدة : أي مختلقا مفتعلا ؛ يقال : فريت وأفريت بمعنى واحد . والولد من الزنا كالشيء المفترى . قال الله تعالى : ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن أي بولد بقصد إلحاقه بالزوج وليس منه . يقال : فلان يفري الفري أي يعمل العمل البالغ ، وقال أبو عبيدة : الفري العجيب النادر ، وقاله الأخفش قال : فريا عجيبا . والفري القطع كأنه مما يخرق العادة ، أو يقطع القول بكونه عجيبا نادرا . وقال قطرب : الفري الجديد من الأسقية ؛ أي جئت بأمر جديد بديع لم تسبقي إليه . وقرأ أبو حيوة : ( شيئا فريا ) بسكون الراء .وقال السدي ووهب بن منبه : لما أتت به قومها تحمله تسامع بذلك بنو إسرائيل ، فاجتمع رجالهم ونساؤهم ، فمدت امرأة يدها إليها لتضربها فأجف الله شطرها فحملت كذلك . وقال آخر : ما أراها إلا زنت فأخرسه الله تعالى ؛ فتحامى الناس من أن يضربوها ، أو يقولوا لها كلمة تؤذيها ، وجعلوا يخفضون إليها القول ويلينون ؛ فقالوا : يا مريم لقد جئت شيئا فريا أي عظيما قال الراجز :قد أطعمتني دقلا حوليا مسوسا مدودا حجرياقد كنت تفرين به الفرياأي تعظيمنه .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره:فلما قال ذلك عيسى لأمه اطمأنت نفسها، وسلَّمت لأمر الله، وحملته حتى أتت به قومها.كما حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: أنساها يعنى مريم كرب البلاء وخوف الناس ما كانت تسمع من الملائكة من البشارة بعيسى، حتى إذا كلَّمها، يعني عيسى، وجاءها مصداق ما كان الله وعدها احتملته ثم أقبلت به إلى قومها.وقال السديّ في ذلك ما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: لما ولدته ذهب الشيطان، فأخبر بني إسرائيل أن مريم قد ولدت، فأقبلوا يشتدّون، فدعوها( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ).وقوله ( قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) يقول تعالى ذكره: فلما رأوا مريم، ورأوا معها الولد الذي ولدته، قالوا لها: يا مريم لقد جئت بأمر عجيب، وأحدثت حدثا عظيما. وكل عامل عملا أجاده وأحسنه فقد فراه، كما قال الراجز:قَدْ أَطْعَمَتنِي دَقَلا حُجْرِيًّاقَدْ كُنْتِ تَفْرِينَ بِهِ الفَرِيَّا (1)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى (فَرِيًّا) قال: عظيما.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) قال: عظيما.حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) قال: عظيما.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: لما رأوها ورأوه معها، قالوا: يا مريم ( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) : أي الفاحشة غير المقاربة.------------------------الهوامش:(1) في ( اللسان : دقل ) : الدقل من التمر : معروف ، قيل : هو أردأ أنواعه . وفي ( اللسان : فرى ) : التهذيب : ويقال للرجل إذا كان جادًّا في الأمر قويا : تركته يفري الفرى ويقد . والعرب تقول : تركته يفري الفرى : إذا عمل العمل أو السقي فأجاد . . . وأنشد الفراء لزرارة بن صعب يخاطب العامرية :قَدْ أطْعَمَتْنِي دَقَلا حَوْليًّامُسَوَّسًا مُدَوَّدًا حَجْرِيًّاقَدْ كُنْتِ تَفْرِينَ بِهِ الفَرِيَّاأي كنت تكثرين في القول وتعظمينه . يقال : فلان يفري الفرى : إذا يأتي بالعجب في عمله .ثم قال : وفي التنزيل العزيز في قصة مريم : ( لقد جئت شيئا فريا ) . قال الفراء : الفري الأمر العظيم ، أي جئت شيئا عظيما . وقيل : جئت شيئا فريا : أي مصنوعا مختلقا .
﴿ فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا ﴾