ولو رَكَنت -أيها الرسول- إلى هؤلاء المشركين ركونًا قليلا فيما سألوك، إذًا لأذقناك مِثْلَي عذاب الحياة في الدنيا ومثْلَي عذاب الممات في الآخرة؛ وذلك لكمال نعمة الله عليك وكمال معرفتك، ثم لا تجد أحدًا ينصرك ويدفع عنك عذابنا.
﴿ تفسير الجلالين ﴾
«إذاً» لو ركنت «لأذقناك ضعف» عذاب «الحياة وضعف» عذاب «الممات» أي مثلي ما يعذب غيرك في الدنيا والآخرة «ثم لا تجد لك علينا نصيرا» مانعا منه.
﴿ تفسير السعدي ﴾
إذًا لو ركنت إليهم بما يهوون لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي لأصبناك بعذاب مضاعف ، في الحياة الدنيا والآخرة ، وذلك لكمال نعمة الله عليك ، وكمال معرفتك. ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ينقذك مما يحل بك من العذاب، ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر، ومن البشر فثبتك وهداك الصراط المستقيم، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه، فله عليك أتم نعمة وأبلغ منحة.
﴿ تفسير البغوي ﴾
( إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ) أي : لو فعلت ذلك لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يعني : أضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة .وقيل : " الضعف " : هو العذاب سمي ضعفا لتضاعف الألم فيه .( ثم لا تجد لك علينا نصيرا ) أي : ناصرا يمنعك من عذابنا .
﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- ما كان سيترتب على الركون إليهم- على سبيل الفرض من عقاب فقال- تعالى-: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً.والضعف: عبارة عن أن يضم إلى شيء مثله.أى: لو قاربت- أيها الرسول الكريم- أن تركن إليهم أقل ركون، أو تميل إليهم أدنى ميل، لأنزلنا بك عذابا مضاعفا في الدنيا وعذابا مضاعفا في الآخرة، ثم لا تجد لك بعد ذلك نصيرا ينصرك علينا، أو ظهيرا يدفع عنك عذابنا، أو يحميك منه، كما قال- تعالى-:وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ.والسبب في تضعيف العذاب، أن الخطأ يعظم بمقدار عظم صاحبه، ويصغر بمقدار صغره، ورحم الله القائل:وكبائر الرجل الصغير صغائر ... وصغائر الرجل الكبير كبائروالرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم الخلق على الإطلاق، لذا توعده الله- تعالى- بمضاعفة العذاب، لو ركن إلى المشركين أدنى ركون.وقريب من هذا المعنى قوله- تعالى- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً .قال صاحب الكشاف: وفي ذكر الكيدودة وتقليلها، مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين، دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته، وفيه دليل على أن أدنى مداهنه للغواة، مضادة لله وخروج عن ولايته، وسبب موجب لغضبه ونكاله. فعلى المؤمن إذا تلا هذه الآيات أن يجثو عندها ويتدبرها فهي جديرة بالتدبر وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد التصلب في دين الله .
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرايخبر تعالى عن تأييد رسوله - صلوات الله عليه وسلامه - وتثبيته ، وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار ، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره ، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه ، بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره ، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه ، في مشارق الأرض ومغاربها ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
﴿ تفسير القرطبي ﴾
قوله تعالى : إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي لو ركنت لأذقناك مثلي عذاب الحياة في الدنيا ومثلي عذاب الممات في الآخرة ; قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما . وهذا غاية الوعيد . وكلما كانت الدرجة أعلى كان العذاب عند المخالفة أعظم . قال الله - تعالى - : يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وضعف الشيء مثله مرتين ، وقد يكون الضعف النصيب ; كقوله - عز وجل - : لكل ضعف أي نصيب . وقد تقدم في الأعراف .
﴿ تفسير الطبري ﴾
يقول تعالى ذكره: لو ركنت إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلا فيما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله ( إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) يعني: ضعف عذاب الدنيا والآخرة.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله ( ضِعْفَ الْحَيَاةِ ) قال: عذابها( وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) قال: عذاب الآخرة.حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) : أي عذاب الدنيا والآخرة.حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) قال: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) يعني عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله ( إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ ) مختصر، كقولك: ضعف عذاب الحياة ( وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) فهما عذابان، عذاب الممات به ضوعف عذاب الحياة. وقوله ( ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ) يقول: ثم لا تجد لك يا محمد إن نحن أذقناك لركونك إلى هؤلاء المشركين لو ركنت إليهم، عذاب الحياة وعذاب الممات علينا نصيرا ينصرك علينا، ويمنعك من عذابك، وينقذك مما نالك منا من عقوبة.
﴿ إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ﴾